الخزانة المغربية تتعزز بإصدار جماعي جديد حول “الأطلس المتوسط الأوسط في العلوم الاجتماعية والإنسانية”

686
  • أحمد بيضي
من المرتقب أن تشهد الساحة الثقافية المغربية إصداراً جديداً بعنوان “الأطلس المتوسط الأوسط في العلوم الاجتماعية والإنسانية: حصيلة ورؤى متقاطعة”، وهو عمل جماعي يضم أكثر من 300 صفحة، ويأتي جامعا للأوراق والمداخلات العلمية التي قدمها نخبة من الباحثين والأكاديميين خلال الندوة التي نظمتها “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، بخنيفرة، يومي 20 و21 ماي 2024، فيما تولى د. حوسى أزارو مهمة التنسيق والإشراف على إعداد هذا الكتاب، الذي يسعى إلى تسليط الضوء على قضايا الأطلس المتوسط الأوسط من زوايا متعددة وأعمال بحث وتوثيق ونقد، بينما أضفى الفنان التشكيلي المحجوب نجماوي على غلاف العمل لمسة إبداعية بلوحة من أعماله.
يعد هذا الكتاب، الذي تتشرف “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، بخنيفرة، بتقديمه للقراء والباحثين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية وكافة حقول المعرفة، ثمرة جهد علمي مكثف بذله القطب العلمي داخل المؤسسة، وتؤكد مقدمته بأنه ليس مجرد إصدار معرفي، بل هو تتويج لمسار بحثي بدأ بندوة علمية تم بها تتويج “ملتقى الأطلس المتوسط المركزي في العلوم الإنسانية والاجتماعية”، وكانت منطلقًا لهذا المشروع، حيث خضع لمعايير صارمة في الإعداد والتبويب، بما يتماشى مع أصول النشر العلمي وتقاسم المعرفة، تأكيدا على دور العلم والمعرفة كمدخل رئيسي لمعالجة القضايا التنموية والترابية والمجتمعية.
وتبرز المؤسسة، أنها حرصت، منذ تأسيسها، على انخراطها في استكشاف قضايا الأطلس المتوسط، إدراكا لأهمية استجلاء أبعاده الإيكولوجية والتاريخية والثقافية والقيمية، إلى جانب إيمانها الراسخ بأن التنمية الحقيقية تستوجب اعتماد المعرفة العلمية كأساس لتحديد الأولويات وصياغة استراتيجيات تنموية فعالة، ولذلك تستند المؤسسة على جعل الثقافة بوابة أساسية لتطوير الاختيارات التنموية الصحيحة، وطالما لعبت المؤسسة دورا محوريا في إبراز أهمية المناطق الجبلية ضمن الرهانات التنموية الوطنية، حيث شكلت الندوة أرضية خصبة للحوار بين الباحثين والفاعلين المدنيين والمبدعين، ما أفضى إلى تراكم معرفي استثمرته المؤسسة في إعداد الكتاب.
يتأسس الكتاب على ثلاثة اعتبارات رئيسية، أولهما ارتباط مضمونه بالنسق التأسيسي للمؤسسة، الذي يمنح البحث العلمي مكانة مركزية في استقصاء قضايا المجال والمجتمع، وتوجيه السياسات التنموية وفق مقاربات دقيقة وفعالة، ثانيا، يرتكز على رؤية متكاملة تجمع بين الإنسان والتراب والثقافة في علاقة جدلية، ما يسمح بفهم أعمق لتحولات وتحديات المجال الجغرافي والاجتماعي للأطلس المتوسط، أما الاعتبار الثالث، فيتمثل في رغبة المؤسسة في تعزيز التعاون مع شركائها العلميين والمؤسساتيين، لإبراز القيم الرمزية والتاريخية والإيكولوجية التي يزخر بها الأطلس المتوسط، وتحويلها إلى موارد حيوية تسهم في نهضة المنطقة.
وتؤكد مقدمة الكتاب أن الأطلس المتوسط ليس مجرد مجال جغرافي، بل هو عنصر أساسي في التوازنات الوطنية، نظرا لدوره الاستراتيجي في ربط جهات المغرب المختلفة، ومكانته كمجال إيكولوجي غني بالموارد الطبيعية، غير أن هذه الثروات لم تترجم بعد إلى تنمية مستدامة، ما يفرض ضرورة تبني وعي جديد يسعى إلى تحقيق تنمية متوازنة تراعي العدالة المجالية، مع تحسين أوضاع الأطلس المتوسط الذي يتطلب تبني سياسات مندمجة تنطلق من أسئلة حقيقية وتعتمد منهجيات علمية مستدامة، مع التركيز على استثمار الموارد المحلية بشكل رشيد، بناء على ما تزخر به المنطقة من إرث ثقافي غني يشمل الفنون والتراث والممارسات الاجتماعية.
الكتاب الذي يضم أوراق ومداخلات الباحثين والأكاديميين المشاركين في الندوة السالف ذكرها، وهي عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تتناول مختلف الجوانب التاريخية، الاجتماعية، الثقافية، والجغرافية للأطلس المتوسط، بدء من مقدمة تمهيدية، تليها دراسة د. محمد بوكبوط حول “أدوار الأطلس المتوسط في معادلة السلطة بالمغرب الحديث”، ثم تأتي دراسة د. محمد أوشرو ود. إدريس السراري، حيث يتناولان “مقاومة قبائل الأطلس المتوسط للاحتلال الفرنسي، مع التركيز على قبائل آيت سغروشن بين عامي 1912 و1926″، فيما يقدم د. سيدي محمد الحسني قراءة تحليلية في كتاب “الجبل الأمازيغي آيت أو مالو وبلاد زايان” للقبطان سعيد كنون.
كما يستعرض د. سعيد أصفاح “الدين والتدين في المنطقة من زاوية سوسيو-أنثروبولوجية وتاريخية، مع التركيز على قبائل زيان وأيت سكوكو”، وفي سياق التفاعل الديني والاجتماعي، يبرز ذ. محمد زروال ود. لحسن أوري “مساهمة الأب ألبير بيريكير في تعزيز قيم التعايش بالقباب كنموذج لهذا الانفتاح”، فيما يقدم د. محمد بوكبوط “شذرات من ذاكرة وتاريخ زايان والأطلس المتوسط”، تليها دراسة ذ. لحماني أقفلي حول “رمزية الجبل في النسق التاريخي والسوسيو-ثقافي بالمغرب”، أما الجانب الجغرافي، فيتناوله د. محمد الأسعد من خلال دراسة “بنية الخطاب الجغرافي ودينامية المجال الريفي لجبال الأطلس المتوسط الأوسط”.
ويدرس د. محمد أوعلا ود. محمد الكتمور “التراث الجيومورفولوجي للمنطقة ودوره في التنمية”، بالإضافة إلى ذلك، يعرض د. يوسف عاشي، د. عمرو إديل، ود. عبد السلام بوهلال “حصيلة البحث الجغرافي حول مجال اتحادية بني مكيلد الشمالية”، وفي المجال الزراعي، يتناول ذ. علال الحاج، د. عبدالسلام بوهلال، ود. إديل عمرو “التحولات السوسيو-ثقافية في ملوية العليا”، مع التركيز على دور الزراعات التسويقية، مستخدمين الجماعة الترابية أغبالو إسردان بإقليم ميدلت كنموذج، كما يناقش ذ. الحسين أبرقي ود. حسن ضايض “الغطاء النباتي وأشكال استعمالات الأرض بالجماعة الترابية كيكو”.
يختتم الكتاب بدراسات حول التراث الثقافي والطبيعي والشعر الأمازيغي، حيث يقدم ذ. الحسين أكضى “مقاربة تنموية حول تثمين التراث الثقافي إلى جانب التراث الطبيعي بالأطلس المتوسط”، مع التركيز على إقليم خنيفرة كنموذج، بينما تناقش ذة. فاطمة أكنوز قضايا التأنيث والتذكير في الشعر الأمازيغي، ليأتي كتاب “الأطلس المتوسط الأوسط في العلوم الاجتماعية والإنسانية: حصيلة ورؤى متقاطعة”، في شموليته إضافة علمية غنية تساهم في فهم ديناميات الأطلس المتوسط من زوايا متعددة، تجمع بين التاريخ، الثقافة، الجغرافيا، والمجتمع، مما يجعله مرجعا هاما للباحثين والمهتمين بالمنطقة، ولما يروم التنزيل الفعلي للعدالة المجالية.
error: