منح الدكتوراه لباحثة مغربية عن “التراث العرفي لقبائل زيان” من خلال أرشيف يضم أكثر من 3500 وثيقة عرفية
التراث العرفي بقبائل زيان في عهد الحماية من خلال أرشيف المحاكم العرفية المحلية (1914 – 1956)
75
شارك
أحمد بيضي
في أجواء أكاديمية متميزة، شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس، يوم الثلاثاء 1 يوليوز 2025، لحظة علمية بارزة تمثلت في مناقشة أطروحة دكتوراه في التاريخ تقدمت بها الطالبة الباحثة حنان اقشيبل، تحت إشراف الأستاذ الدكتور لحسن أوري، موسومة بـ: “التراث العرفي بقبائل زيان في عهد الحماية من خلال أرشيف المحاكم العرفية المحلية (1914 – 1956)”، وهي دراسة أرخت لفترة دقيقة من تاريخ المغرب من خلال نافذة غير مألوفة في البحوث الأكاديمية، ألا وهي العدالة العرفية في مناطق الأطلس المتوسط.
تكونت لجنة المناقشة من نخبة من الأساتذة الجامعيين المتخصصين، هم الدكتور سيدي محمد الكتاني رئيسا، والدكتور محمد أبيبي مقررا، والدكتور علي العلام مقررا، حيث أشادت اللجنة بالمستوى العلمي الرفيع للأطروحة، وبمنهجها التوثيقي والتحليلي الذي انطلق من أكثر من 3500 وثيقة عرفية محلية، جمعتها الباحثة من أرشيف المحاكم العرفية التي كانت تزاول مهامها في قلب قبائل زيان خلال فترة الحماية الفرنسية، وهي وثائق قلما استثمرت بهذا الشكل في كتابة التاريخ القانوني والاجتماعي للمغرب.
وقد أشادت اللجنة بالتوازن الدقيق بين التأطير النظري والتحليل الوثائقي ضمن الأطروحة، والقدرة على إبراز التحولات السوسيو- قانونية من خلال أرشيف المحاكم العرفية، فضلا عن التوظيف الموفق للرواية الشفوية إلى جانب الوثيقة في مقاربة أنثروبولوجية تاريخية متكاملة، مع التنويه باستعمال الباحثة للمصطلحات القانونية بشكل دقيق، وتحليلها المتعمق لقضايا الأحوال الشخصية ضمن السياق العرفي، وقراءتها النقدية لمنظومة الأعراف ودورها المركزي في تنظيم القضاء المحلي، فضلا عن غنى البيبليوغرافيا وتعدد مصادرها.
أطروحة الطالبة الباحثة حنان اقشيبل سلطت الضوء على البنية العرفية والقانونية والاجتماعية لقبائل زيان، كاشفة عن أدوار المؤسسات العرفية، وشبكة العلاقات التي نظمت شؤون الساكنة خارج منطق الدولة المركزية الحديثة، وهو ما يجعل هذا العمل مساهمة نوعية في دراسة التراث القانوني غير المدون بالمغرب، وبعد مناقشة علمية مستفيضة، أعلنت اللجنة بالإجماع منح الباحثة شهادة الدكتوراه بميزة “مشرف جدا” مع التوصية بالطبع، تقديرا لما حققته من إنجاز علمي رصين يعكس نضجا أكاديميا واضحا، وجهدا ميدانيا وتوثيقيا استثنائيا.
وبينما شكل هذا التتويج لحظة فخر واعتزاز لأسرة التاريخ، وللباحثة التي عبرت عن امتنانها لأستاذها المشرف، ولأعضاء اللجنة، ولكل من دعم مسارها العلمي، تعد هذه الأطروحة العلمية المتميزة إضافة نوعية للمكتبة الجامعية المغربية، خاصة في مجال التاريخ الاجتماعي والقانوني، كما تفتح آفاقا جديدة للبحث في الذاكرة العرفية للأطلس المتوسط عموما، بلاد زيان خصوصا، وتعيد النقاش حول أهمية التقاليد القانونية المحلية في فهم التحولات السياسية والاجتماعية في المغرب خلال القرن العشرين.
ويذكر أن الدكتورة حنان اقشيبل تعد من الأسماء الأكاديمية الصاعدة في مجال البحث التاريخي المعاصر بالمغرب، حيث راكمت تجربة علمية متميزة ومتنوعة توجتها بأطروحة الدكتوراه حول التراث العرفي بقبائل زيان في عهد الحماية، وقد سبق لها أن حصلت على شهادة الماستر في “المغرب والمحيط الدولي في التاريخ الحديث والمعاصر”، وكانت باحثة في سلك الدكتوراه تخصص التاريخ المعاصر، إلى جانب كونها أستاذة للتعليم الثانوي التأهيلي في مادة التاريخ والجغرافيا،
تُعرف الدكتورة اقشيبل باهتمامها المتواصل بقضايا الذاكرة والعلاقات الدولية في التاريخ المغربي، وهي عضوة نشطة في “مركز رؤى للدراسات والأبحاث”، حيث ساهمت في عدد من الأنشطة العلمية والنقاشات الفكرية حول تاريخ المغرب والفضاءات المحيطة به، كما راكمت مجموعة من المقالات المتخصصة التي تناولت جوانب من تاريخ العلاقات المغربية الخارجية، خاصة في الفضاءين المتوسطي والعثماني، بالإضافة إلى دراساتها حول التراث العرفي الأمازيغي، ما يؤكد تعددية اهتماماتها وغنى مقارباتها.
ومن أبرز إسهاماتها العلمية المنشورة، كتابها الموسوم بـ: “الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية التركية: من خلال العلاقات المغربية التركية من الحسن الأول إلى الحسن الثاني (1873 – 1999)”، الصادر عن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهو عمل يوثق لفصل مهم من العلاقات التاريخية بين المغرب وتركيا، بمنهج يجمع بين التوثيق الدقيق والتحليل السياقي، مما جعله مرجعا مهما للباحثين في حقل العلاقات الدولية ذات الطابع التاريخي.