الرباط تحتضن ندوة وطنية حول موقع علم الاجتماع في مغرب المتغيرات المتسارعة وتحولات العولمة والرقمنة

"علم الاجتماع والتحولات المجتمعية: الضرورة والإمكان - قراءات متقاطعة"

57
أحمد بيضي
في سياق الاهتمام المتجدد بالعلوم الإنسانية ودورها في تفسير تحولات المجتمع المعاصر، تتواصل استعدادات الجمعية المغربية لعلم الاجتماع” لتنظيم ندوة وطنية، يوم الأربعاء 18 يونيو 2025، بكلية علوم التربية بالرباط، تحت عنوان: “علم الاجتماع والتحولات المجتمعية: الضرورة والإمكان – قراءات متقاطعة”، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين من مختلف الأجيال، إلى جانب عدد من الوجوه الفكرية المهتمة بالشأن الاجتماعي، ممن يؤمنون بأن علم الاجتماع لم يعد ترفا معرفيا، بل أضحى حاجة ملحة لمواكبة المتغيرات المتسارعة التي تطال البنى والقيم والمؤسسات.
ومن المرتقب أن يفتتح هذا الحدث بجلسة رسمية، تليها جلستان علميتان تناقشان أدوار علم الاجتماع وإمكاناته، وتفتحان المجال لحوار علمي حول مستقبله وموقعه ضمن منظومة التحليل وصناعة القرار، وتشير الأرضية الفكرية لهذه الندوة إلى أن ما يشهده العالم والمغرب من تحولات، بات يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ليشمل كافة أوجه الحياة الإنسانية، من البنى الأسرية والديمغرافية، إلى المنظومات القيمية والاقتصادية والدينية والرمزية، وهي تحولات يغديها تطور تكنولوجي غير مسبوق، وثورة اتصالات لا تعرف الاستقرار، ضمن مشهد معولم يتسم بـ”السيولة” و”اللايقين” وارتفاع منسوب “المخاطرة”.
وفي ما سبق ما يستدعي مراجعة عميقة للأدوات التحليلية التي راكمها علم الاجتماع، وطرح سؤال القدرة على الفهم والمواكبة، ومن هنا ترى الجمعية أن هذا المشهد المتشابك يمنح علم الاجتماع موقعا استراتيجيا، باعتباره أداة لقراءة آليات التغيير المجتمعي وفهم شروطه وسياقاته، غير أن ما تضيفه الأرضية، هو مفارقة باتت تفرض نفسها بقوة: فبينما تتزايد الحاجة إلى علم الاجتماع لفك شفرات التحول، تتضاءل في المقابل قدرته على التأثير في صناعة القرار، وتضعف صلته بالسياسات العمومية، في الوقت الذي تتعزز فيه الخطابات الإيديولوجية أو المنهجيات التقنية التي تتعامل مع التحول المجتمعي بمنطق التجزيء أو العزل عن السياقات الثقافية والاجتماعية.
وبالتركيز على الحالة المغربية، تبرز ندوة “علم الاجتماع والتحولات المجتمعية” أن المجتمع يعيش حالة ضغط مزدوج، بين متطلبات التحديث والعولمة من الخارج، والتشبث بالهوية والتقاليد من الداخل، ما ينتج تحولات خاصة تحتاج إلى مقاربة سوسيولوجية دقيقة وراهنة، والسؤال الجوهري المطروح هو: كيف يمكن للمجتمع المغربي أن يتفاعل مع هذه التحولات دون أن يفقد توازنه القيمي وهويته؟ وما الذي يمكن أن يقدمه علم الاجتماع لمساعدته على بناء معادلة تحفظ الانفتاح دون الذوبان، والمرونة دون الانسلاخ؟، حيث لم يعد الأمر يتوقف عند التشخيص أو التنظير، بل بضرورة تحويل المعرفة السوسيولوجية إلى أدوات عملية قادرة على التأثير في الواقع.
وبناء على الأرضية، من المؤكد أن الندوة ستحاول المساهمة في تفكيك المعرفة السوسيولوجية بغاية البحث عن استراتيجيات أكثر عدلا واستدامة، من حيث كون المعرفة التي لا تترجم إلى سياسات أو تصورات عملية تظل حبيسة الفضاءات الأكاديمية، غير قادرة على ملامسة التحديات اليومية للمجتمع، ومن المنتظر بالتالي أن تسعى الندوة إلى فتح حوار متعدد الأصوات، بين الباحثين، والأكاديميين، والممارسين، وصناع القرار، حول ما يمكن أن يقدمه علم الاجتماع اليوم، في ظل المتغيرات المتسارعة لعصر العولمة والثورة الرقمية، وهي تدعو إلى تجاوز علم اجتماع التوثيق نحو علم اجتماع الفعل والمبادرة، القادر على مرافقة التحولات بدل الاكتفاء برصدها بعد حدوثها.
error: