زوبيدة أبا، كاتبة شابة تنتصر للهامش من خلال دخولها عالم الرواية ب “أنفاس متقطعة”
300
شارك
أحمد بيضي
صدرت حديثا عن “دار بسمة للنشر الالكتروني” رواية جديدة تحمل عنوان “أنفاس متقطعة”، وهي العمل الأول للكاتبة الشابة زوبيدة أبا، المنحدرة من منطقة كروشن بإقليم خنيفرة، هذا الإصدار الأدبي ليس مجرد باكورة إبداعية لاسم جديد في المشهد الثقافي المغربي، بل هو أيضا بصمة إنسانية عميقة تنحت تفاصيلها الكاتبة بروح شعرية لا تخلو من شجن، وتغزلها بخيوط السرد المتقن في عمل اجتماعي درامي ينضح بالتجربة والصدق.
في 180 صفحة من الحكي، تسافر زوبيدة أبا بالقارئ عبر حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها تخفي خلفها تضاريسا معقدة من المشاعر والانكسارات، الأب الذي يرحل فجأة، بلا وداع ولا تبرير، يخلف وراءه زوجة تتكئ على صبر مر، وطفلين يتقاذفهما قدر قاسٍ لا يرحم، فتتقلب حياتهما بين مطبات الحياة وجفاف العاطفة، الزمن في هذه الرواية ليس عنصرا محايدا، بل هو شاهد على التشوهات العميقة التي لا تندمل حتى مع عودة الغائب، حين يعود.
لكن عودة الأب بعد سنوات من الفقد لا تأتي على هيئة خلاص، بل تحمل في طياتها صدمات معلقة، ومشاعر متداخلة بين الرفض والاحتياج، بين الرغبة في العناق والخوف من التكرار، في هذه العودة، لا تعيد الرواية بناء ما انهدم، بل ترصد هشاشة الترميم، ومثلما كانت المغادرة فجائية، تأتي العودة محملة بثقل ما فقد، لكن القدر لا ينسى أن يتم مهمته على طريقته، فيحضر بنعومة قاتلة، لينهي ما لم يبدأ أصلا.
رواية “أنفاس متقطعة” ليست فقط حكاية أسرة تصارع الغياب، بل هي أيضا تأمل في معنى الفقد، وجدوى العودة، ومكانة الغائب حين يعود في غير زمنه، تطل الرواية على أسئلة جوهرية تطرح بصوت خافت لكنه نافذ: هل يعود الراحل إلى مكانته السابقة؟ وهل تكفي العودة وحدها لتبرير الغياب؟ وما الذي يبقى من الحب والحنين بعد أن يترسب وجع الغياب في القاع؟.
رواية تشد القارئ من أول صفحة حيث “شقة صغيرة في الطابق الثاني، وسط مدينة أشبه بمدينة أشباح” و”عوالم خيالية، تحلّق فيها الشخصيات بأجنحة شفافةنحو السماء، تحفر بأقدامها بساط التراب”، إلى آخر صفحة من الرواية حين وقع الاجتماع حول المائدة، ب “قلوب ارتوت رغم الجفاف“، فما “بعد العاصفة إلا صفاء، وما بعد الغيوم إلا غيث وفير، وما بعد الأنفاسالمتقطعة إلا شهيق الحياة وزفيرها”.
زوبيدة أبا في عملها هذا، لا تسعى إلى تقديم أجوبة قطعية، بل تمنح القارئ مساحة للتفكر والتأمل، وتدفعه إلى الغوص في أعماق الذات البشرية حيث تختلط المشاعر وتضطرب القيم وتختبر القدرة على التسامح، وربما على النسيان، إنها رواية مكتوبة بأنفاس متقطعة فعلا، لكنها تنبض بصدق جارف، وبوعد واعد لميلاد صوت سردي جديد في الأدب المغربي المعاصر.