جمال كريم يعود لقرائه بمجموعة “تيمم على سنام الجمل”: صرخات مكتومة لأرواح على الهامش

175
أحمد بيضي
يطل الكاتب الشاب جمال كريم على القارئ المغربي من جديد، متأبطا مجموعة قصصية بعنوان “تيمم على سنام الجمل”، بعد أن بصم الساحة الأدبية بروايته السابقة “الآن آن لي أن لا أئن”، التي لاقت ترحيبا من لدن القراء والنقاد على السواء، هذه العودة ليست تكرارا لتجربة سابقة، بل انتقال نحو ضفاف أخرى أكثر انغراسا في تفاصيل المعاناة الإنسانية والقلق السياسي، حيث تصبح القصة القصيرة، لدى جمال كريم، حقلا للتجريب الجمالي والفكري، وصوتا ينفذ إلى عصب اللحظة الراهنة، في مفارقاتها وتوتراتها وهمومها المتشابكة.
المجموعة التي تتألف من 27 قصة، والصادرة عن “دار العلم والفنون للنشر والتوزيع”، يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، وتنصهر الشخصيات في مسارات سردية تتقاطع فيها السياسة بالفلسفة، واليومي بالتأملي، والهامشي بالمركزي، في أسلوب يفتح مساحات للتأويل والدهشة، كل قصة تبدو كساحة يتصارع فيها اليقين واللايقين، وتتحول من خلالها اللغة إلى مرآة مشروخة تعكس وجوها نعرفها ولا نعترف بها، وتحمل إلينا شخوصا تمشي على حبال الهشاشة، تتعثر بالمعنى، لكنها تواصل السير برغم ثقل الذاكرة ولهيب الحاضر.
في عالم هذه النصوص، لا تعود القصة مجرد شكل أدبي، بل منصة للحوار الداخلي مع أسئلة كبرى، تمس الكينونة، والمكان، ومن اللافت أن المجموعة تُعلن عن نفسها من خلال ما جاء على ظهر غلافها الأخير، إذ يقول الكاتب: “هذه القصص ليست مجرد سرد لأحداث، بل وشم على جلد المعنى، كتبتها بحبر الوجدان، بعد أن تعثرت بالحياة ولامست عظامها العارية، هنا، كل سطر تيمم بكلمة، وكل كلمة سجدة في محراب الحيرة، ستقرؤون شخوصا تمشي على حبال الهشاشة، تحمل همومها كأنها حقائب من نار، وتبتسم رغم الحطب الذي يسكن صدورها”.
وزاد مخاطبا فضول القارئ: “في هذه المجموعة تتعانق الفلسفة باليومي، ويتماوج البعد السياسي مع الهم الفردي، فلا انفصال بين الوطن والوجع ولا حدود بين الذات والواقع الذي يطوقها، إنها مرايا مشروخة تعكس وجوها نعرفها ولا نعترف بها، وصرخات مكتومة لأرواح عاشت على الهامش، لكنها كتبت في المركز، قد لا تجد أجوبة جاهزة هنا، لكنك ستجد أسئلة تشبهك، وصورا تُقيم فيك أكثر مما تقيم على الورق، هذه ليست قصصا وحسب، إنها دعوة للتيمم بالحقيقة، حين يغيب ماء اليقين.”
بهذا النفس العميق، الذي يزاوج بين الشعرية والتوتر الفكري، يخط جمال كريم لنفسه موقعا خاصا داخل خريطة القصة المغربية والعربية، فالنصوص ليست فقط أدوات حكي، بل محاولات جريئة لالتقاط الجوهر في لحظة انهياره، ولإعادة بناء الذات وهي تتهشم وتعيد تركيب شظاياها، لا يدعي الكاتب امتلاك الحقيقة، لكنه يقترح علينا أن نتماهى مع حيرة تشبهنا، وأن نقرأ العالم من زوايا مائلة، تكشف هشاشته، وتصر على الجمال كفعل مقاومة، وعلى الكتابة كتيمم مستمر نحو ما تبقى من يقين.
error: