عن الروائية المغربية الهولندية صفاء الخنوسي وروايتها “Oroppa” الفائزة بجائزة “ليبريس للأدب 2025”
101
شارك
أحمد بيضي
في لحظة أدبية لافتة تعبر عن عمق التحولات الثقافية والهويات المتعددة في أوروبا المعاصرة، أُعلن مؤخرا عن فوز الروائية المغربية الهولندية، صفاء الخنوسي، بجائزة “ليبريس للأدب 2025” Libris Literatuur Prijs، عن روايتها “أوروبا” “Oroppa”، وهذه الجائزة التي تعد من أرفع الجوائز الأدبية الممنوحة للأعمال المكتوبة باللغة الهولندية، الحدث الذي شكل مفاجأة لكثيرين من متابعي المشهد الأدبي الهولندي، وقد جاء هذا الفوز بعد نيل ذات الكاتبة، خلال مارس الماضي، جائزة “بون”، لتكون بذلك من القلائل الذين يظفرون بأهم جائزتين أدبيتين في عام واحد عن أول عمل روائي لهم.
رواية “Oroppa”، العمل الأول لصفاء الخنوسي، ترسم ببذخ سردي وبأسلوب فني مدهش وجها خفيا لأوروبا، وجه المنبوذين، والمحرومين، وقدماء المعتقلين والجلادين ببلدانهم الأصلية، وقد أظهرت الرواية قدرة الكاتبة اللافتة على الإمساك بخيوط التشويق النفسي والسرد البوليسي دون أن تتنازل عن العمق الأدبي أو التحليل النفسي للشخصيات، لم تكن المغامرة مجرد حبكة، بل ساحة لاختبار أسئلة حول الهوية والحرية والخوف، فيما لم يفت لجنة تحكيم الجائزة اعتبار الرواية “قراءة جريئة ومجزية”، مشيدة بقدرة الكاتبة على الحفاظ على إيقاع سردي متماسك عبر 400 صفحة، دون أن تتراخى أو تقع في فخ النمطية.
الفوز لم يكن الأول في سجل الخنوسي رغم حداثة سنها (31 عاما)، إذ في عام 2024، اختارتها مجلة“de Volkskrant” كموهبة العام في الأدب، بعد أن لاقت “Oroppa” ترحيبا واسعا من القراء وتصدرت قوائم المبيعات فور صدورها، أما الآن، ومع جائزة “ليبريس”، فإن صفاء الخنوسي لم تعد مجرد اسم واعد في الهامش، بل باتت واحدة من الوجوه الأساسية في مشهد أدبي أوروبي متحول، يعيد النظر في أسسه التقليدية ومعاييره الجمالية، فاتحا الباب لأصوات مهاجرة لم تعد ترى في اللغة الغربية أداة استعارة بل فضاء أصيلا للتعبير والانتماء، حتى أن اسم الرواية فيعني “أوروبا” باللهجة العربية المغربية المغاربية.
الخنوسي، التي غادرت المغرب إلى هولندا في سن الرابعة ضمن إطار التجمع العائلي، درست فلسفة السياسة، وتشتغل حاليا في المجلة الأدبية “De Gids”، تمثل نموذجا للكاتب المتعدد الجذور، الذي لا يقف عند حدود الهوية الإثنية أو الجغرافيا، بل يفتح النصوص على أسئلة الذاكرة والمنفى واللغة والحداثة، ولم يفت لجنة التحكيم وصف روايتها بأنها “عمل أدبي لا يترك من اليد، حيث تنفجر منه الحاجة الملحة للحديث”، كما اعتبرته “رواية جعلتنا نغوص عميقاً في ذواتنا وننظر إلى المرآة: هذا هو نحن”، وأضافت اللجنة أنها أُبهرت بعمل الخنوسي بالقول “هي رواية غنية للغاية، تعج بحكايات داخل حكايات بنسيج روائي مترابط وبارع“.
ولعل الأهم من كل ذلك، أن تتويج رواية الخنوسي يأتي في لحظة يعاد فيها النظر في أدب التشويق والجريمة، الذي غالبا ما كان يُتهم بالسطحية والتجارية، غير أن نجاح “Oroppa” يعيد لهذا اللون الأدبي اعتباره، ويثبت أنه قادر، إذا ما أُنجز بحرفية وفكر، مشوقا وعميقا في آن واحد، ففوز الخنوسي هو في أحد أبعاده أيضا انتصار لنوع أدبي كامل، طالما نُظر إليه كأدب من الدرجة الثانية، وفي هذا السياق، لا يُقرأ إنجاز صفاء الخنوسي بوصفه فوزا فرديا، بل كعلامة على انفتاح المؤسسة الأدبية الأوروبية على أصوات جديدة، على روايات تنبع من تقاطع الثقافات لا من ثباتها، ومن قلب الازدواجية لا من هامشها، وعلى سرد يُشيد الجسور لا الجدران.
ومن بين ما حظي به عمل الكاتبة صفاء الخنوسي، فقد وُصف في صحيفة De Volkskrant بأنه “رواية استثنائية تدفع القارئ لإعادة قراءتها مباشرة”، كما أشادت به صحيفة NRC ووصفت الرواية ب “المذهلة”، مانحة إياها أربع كرات في تقييمها، أما Het Parool فقد دعت إلى “إضافتها فورا إلى قوائم القراءة”، فيما أجمع النقاد على أن الرواية “تضم بين فصولها شخصيات نابضة بالحياة، كل منها يحمل عبئا من الماضي، وتصميما على التمرد على الطرق المألوفة، حتى عندما لا يبدو هناك مبرر للأمل”، وهناك أيضا ذلك الحي الغامض المسمى “الدائرة الحادية والعشرون”، وهو مكان لأولئك الذين يحاولون صنع حياة خارج المسارات الرسمية.