المهرجان الدولي للسينما والمساواة … انتصار للحركة النسائية بالرهان على الفن السابع من أجل المساواة
53
شارك
متابعة: نجيب عبد اللطيف
في كل مهرجان حقيقي، لابد من أفق انتظار، وتصور لمشروعه الثقافي والفني. بالنسبة لجمعية التحدي من أجل المساواة والمواطنة بالبيضاء، لما أعلنت عن تنظيم مهرجانها في دورته التأسيسية، (بالبيضاء، ما بين 14 و17 ماي 2025) لاشك أنها اتخذت من قيمة المساواة عنوانا لمشروعها الفني. فلا غرابة إذا كانت كل فقرات المهرجان مرتبطة بهذه القيمة الإنسانية، لا لشيء، سوى لأن الجمعية المنظمة لها من المشاريع والتجارب في هذا المجال الشيء الكثير، باعتبارها جمعية، في صلب اهتماماتها الترافع عن قضايا المرأة والمواطنة وحقوق الإنسان بصفة عامة. ومن أمثلة ذلك مشروع مناهضة التحرش الجنسي ومشروع التحرش عبر الوسائط الرقمية والاجتماعية. ثم مشروع ”الشْقا ف الدَّار مَاشي حشُومة”
ولعل ما ميز المهرجان الدولي للسينما والمساواة، هو الانسجام بين تيمته الأساس، وفقرات برنامجه المحكم والمتكامل، التكامل بين شقيه الحقوقي والسينمائي. الشق الأول، تجسده رئيسة الجمعية المنظمة، المناضلة بشرى عبدو، مديرة المهرجان، أما الشق السينمائي، فيمثله المخرج الهواري غوباري، المدير الفني للمهرجان، وهو بالمناسبة غير بعيد عن مسيرة النضال من أجل إنصاف المرأة. وإلى جانب كل هذا، لابد من الإشارة إلى قاعدة هامة من المحتضنين لهذا العرس السينمائي، من عضوات الجمعية والمتعاطفين معها وكذا الممولين من مؤسسات وأشخاص ذاتيين. وفاعلين في المجتمع المدني والسياسي والنقابي. احتضان كهذا، لن يكون حليفه سوى النجاح.
في اعتقادي، وأنا أتابع بمتعة وإعجاب كل محطات هذا المهرجان الأول من نوعه، يمكنني التحدث عن ثلاث محطات، مشرقة بمضامينها و حسن تنظيمها، وهي كالتالي :
1 – محطة الافتتاح، ما أثارني فيها، هو ذلك التنوع في الحضور، من السينيفليين حتى الفاعلين في الحقل الثقافي الحقوقي والسياسي والنقابي، كأني بالمهرجان يريد أن يقول للمخرجة المكرمة ، فريدة بليزيد ، أفلامك هي صرخة امرأة ، تملك من القوة ما تستطيع به أن تفرض وجودها بقوة، أقلامك هي استشراف للمستقبل المجمل بكل ما يمنح المرأة مبادرة التمكين والإدماج. وحسب ظني ، فإن إصرار المنظمين على أن يكرم بجانب مخرجة ”باب السما مفتوح 1998” كيد النسا 2000′ وغيرها من الأفلام التي سلطت الضوء على قضايا المرأة و إشكالية الهوية عموما، قلت أن يصاحبها في التكريم، كل من لطيفة الجبابدي، مناضلة اليسار وحرائق الدفاع عن حقوق المرأة ثم كاتب الدولة السابق محمد سعيد السعدي الذي ارتبط اسمه باسم الخطة الوطنية لإدماج المرأة
2 – المحطة الثانية في هذا المهرجان الذي شد إليه أنظار كل المتتبعين بمختلف أطيافهم وهي محطة الندوات الموازية للمهرجان، ندوة ” التعبيرات البصرية في سينما فريدة بليزيد، وجوه وازنة في عالم النقد والإعلام، ترأست منصتهم الشاعرة والإعلامية فاطمة بوناجي .
الورقة الأولى من المداخلات تناول فيها الناقد والقاص محمد شويكة معالم الجماليات في أفلام فريدة بليزيد، جماليات المعمار والزي المغربي وجماليات الداخل والخارج، وحضور ذلك التوتر المستمر بين الزمن البعد الروحاني والتمظهرات الخارجي للذات المتوترة، كما بين فيها أيضا كيف تناولت مخرجة ”خوانيتا بنت طنجة” تلك الرموز الدينية المتمثلة في الزاوية واعتماد اللون الأبيض الذي يحيل على أنفاس صوفية تسكن بعض أفلام المخرجة المحتفى بها .
أما مداخلة الناقد والسينيفيلي عبد الكريم واكريم فكان عنوانها ”الأسلوب، الموقف، جرأة التعبير في أفلام بليزيد” ، كانت ورقته عبارة عن محاورة سلسة ، تستبطن خبايا بعض أفلام فريدة وتستجلي مكامن الهوية المفتقدة لدى بطلة ” باب السما مفتوح” وحتى يستدل على ذلك من نفس الشريط، قدم عرضا لبعض اللقطات والمقتطفات البصرية كانت كافية لتوضيح منظور الناقد صاحب كتاب ” سينيمات عالمية: أفلام ومخرجون . قراءات في تجارب مغايرة
فيما ذهبت مداخلة الناقد وأستاذ السينما في المعهد العالي لمهن السمعي والبصري والسينما إلى تناول الفضاء والروح والصورة والمدينة في أفلام بليزيد ، حيث وضح في ورقته كيف أن أفلام بليزيد تتغيا العمل على ترميم الجروح أكثر منها خطابا مباشرا يستجيب لخطاب الحركة النسوية ، فهي تنحو منحى هدم نظام الذكورية بعد تفكيكه في صور ومشاهد ، تحاور الذات / المرأة والآخر/ الرجل ، في بعض أفلام مخرجة كيد النسا” نتلمس أسلوب التمرد عوض التصالح مع نظام يحجر على المرأة .
وحسب مداخلة الناقد عبد الله الصرداوي فقد شدد فيها على الفضاء والمدينة، جل أفلامها اتخذت من فاس أو طنجة فضاء لها، وفي رأيه هذه الفضاءات حابلة بالمعنى الروحي، فاس نموذجا، وطنجة فضاء التساكن بين التقليد والحداثة، توقف كثيرا عند شخصيات فيلم “باب السما مفتوح”، واعتبر أن بليزيد هي مخرجة امرأة، تتقن محاورة امرأة لأجل مواجهة العالم .
اختتمت جلسة الندوة الأولى بورقة قدمها الناقد خليل الدامون، ومنذ الوهلة الأولى، شدد على أن مسالة فهم إبداع بليزيد ، تكمن في تتبع كل كتاباتها في السيناريو، سواء تلك التي أنجزتها كمخرجة أو تلك التي كتبتها لمخرجين آخرين مثل “باديس” للمخرج عبد الرحمن التازي أو “عرائس من قصب” للمخرج الجلالي فرحاتي. في إبداعاتها كسيناريست، يتشح مشروع فريدة بليزيد السينمائي كمخرج لا تنتصر للحركة النسائية بمطالبها الحقوقية، بل تنتصر للمرأة ككائن تكمن في دواخلها كل مقومات المقاومة، ولنا في فيلم ” كيد النسا ”خير نموذج
الندوة الثانية، انصبت على محور ”السينما وقانون الأسرة” استهلت مداخلاتها بتقديم محكم تقدمت به منشطة الجلسة القاصة المتميزة الكاتبة لطيفة باقا، أبرزت فيها سياق الجلسة أهمية موضوعها الذي يربط الإبداع السينمائي بمدونة الأسرة ومدى مسايرة هذ الإبداع لطموحات الحركة النسائية. وبلغة الترافع والمحاماة ،ركزت الأستاذة الزاهية عمومو في مداخلتها على ضرورة التفات المخرجات والمخرجين إلى ما تقاسيه المرأة من محن وخاصة في ردهات المحاكم، في نظرها لا تواكب المنجزات السينمائية واقع المرأة، ولا تعكس حقيقة ما يجري من حيف اتجاهها، وقدمت مقارنة بما تعرف السينما المصرية مستدلة بفيلم ”أريد حلا” وإخراج سعيد مرزوق.
وبنفس الحدة والترافع شددت الأستاذة الزاهية على أهمية تناول السينما المغربية لموضوعات تهم تعقيدات المساطر أمام المتقاضيات من النساء، سواء تعلق الأمر بقضية النفقة أو الطلاق أو الإرث. مقابل ذلك ، تسائل المخرج سعد الشرايبي حول موضوع الندوة ومحورها، وبالتالي بحث عن نقطة التلاقي بين قانون الأسرة، كان جوابه أن السينما هي وسيلة للتعبير الحر، فيما القانون عبارة عن نص مكتوب جاف وصارم، السينما هي مجال للتخييل ولغتها هي الصورة. لم يتردد مخرج صمت الكمنجات ( 2024) وفيلم عطش ( 1998) في القول بأن الفيلم ليس من الضروري أن يحدث تأثيرا كبيرا ولكنه من الممكن أن يعيد تركيب حالات من الواقع و يشكل حولها رأيا عاما.
وبالمقابل، كانت مداخلة الأستاذ في الدراسات الإسلامية ومستشار وزارة الأوقاف، عبد الوهاب رفيقي، كانت مداخلته إجابة عن سؤال السينما و قدرتها على التأثير في توجهات الفرد. في استعراضه لتجربته، تحدث كيف كان للسينما مفعولا إيجابيا في تفكيره ، بتحريض وتواطئ من والدته، كانت السينما ملاذا له للتأمل. وحتى اليوم يدمن على مشاهدة الأفلام والمسلسلات المغربية والمصرية. وبالنظر إلى تكوينه في الفقه والفكر الإسلامي، انحاز إلى الرأي القائل بأن الفن يمكنه أن يؤثر في الجمهور أكثر من الخطابة، ثم استفاض في عرض تجربة شرح مفهوم التعصيب في الإرث، لم يفلح في جر الجمهور إلى المحاضرات لما كان يجول في مناطق الجنوب الشرقي، من تنغير إلى زاكورة، لكنه لما اعتمد على العرض المسرحي الذي اتخذ من موضوع الإرث والتعصيب مجالا للإبداع والعرض المسرحي، لقيت المبادرة إقبالا مثيرا، وبالتالي نجح في جر الحاضرين إلى مناقشة الموضوع، وبحدة .
انتهت الندوات، لكن رغبة الحاضرين في الاستزادة والنقاش لم تنته. ولم يوقفها سوى نهاية الزمن المخصص للندوتين. بالموازاة لذلك كان للحاضرين فرصة التعرف على بعض الإصدارات التي عرضت للتوقيع بحضور مؤلفيها، عبد الكريم واكريم ومحمد شويكة وسليمان حقيوي ثم أحمد السيجلماسي .
3 – المحطة الثالثة هي المتعلقة بالعروض الفيلمية، استهلت بفيلم الافتتاح ”ذاكرة للنسيان” للمخرج هواري غوباري، المدير الفني للمهرجان، ثم فقرة بعيون نسائية ، حيث قدمت كل من المخرجات ، مونية الكومي فيلمها ”دمعة اليتيم ” ثم المخرجة فاطمة أكلاز وفيلم المتميز” الراعية” والمخرجة ماجدة بنكيران بفيلمها القصير أيضا” آثار TRACES ”
وفيما يخص أفلام المسابقة الرسمية، فقد جاءت متنوعة من حت التجارب وكذا من حيث المقاربات والأسلوب، تشترك في معاناة المرأة ،و تختلف من حيث التعاطي مع اللغة السينمائية والمعالجة الدرامية. متفاوتة في القوة على التأثير وشد المشاهد.