مركز روافد بخنيفرة يحتضن ملتقاه الوطني حول التراث لمناقشة التراث المعماري العسكري في زيان وتادلة

215
أحمد بيضي
في سياق وطني تتزايد فيه الدعوات إلى صيانة التراث وتعزيز دوره في التنمية المستدامة، يستعد “مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام”، بخنيفرة، لاحتضان فعاليات “الملتقى الوطني للتراث”، في دورته الثانية، تحت شعار “التراث المعماري العسكري في منطقتي زيان وتادلة: من التحصين إلى التثمين”، وذلك على مدى يومي الخميس والجمعة، 15 و16 ماي 2025، بدعم من جماعة المدينة، وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة (قطاع الثقافة)، بتنسيق مع المركز الثقافي أبو القاسم الزياني، وبمساهمة علمية من “مختبر السرد والأشكال الثقافية” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال.
من المبرمج أن تنطلق أشغال الملتقى يوم الخميس (الساعة السادسة مساء)، بكلمات لكل من ممثل مركز روافد، ذ. مولاي إدريس أشهبون، ومدير المركز الثقافي أبوالقاسم الزياني بخنيفرة، ذ. حسن بلكبير، على أن يتولى ذ. المصطفى تودي تقديم الجلسة الافتتاحية وتسيير الجلسة العلمية الأولى التي ستركز على موضوع “التراث المعماري العسكري في منطقتي زيان وتادلة: من التحصين إلى التثمين”، بمشاركة ذ. حوسى جبور حول “قصبة موحى وحمو الزياني”، ذة. منال الدغوغي حول “القصبة الزيدانية” وذة رشيدة اليعقوبي حول “معمارية التحصين: مقاربة ثقافية لنماذج في المجال الزياني والتادلي”، ثم ذ. لحسن رهوان الذي سيسلط “إضاءات حول قلعة مهدي”.
وسيعرف اليوم الثاني، الجمعة 16 ماي، انعقاد الجلسة العلمية الثانية تحت عنوان “إضاءات حول البحث المونوغرافي الراهن في بلاد زيان: تجارب ذاتية أمام مرآة التفكيك”، من تسيير ذ. محمد عياش، وستتوزع المداخلات بين قراءات تاريخية، أنثروبولوجية، وثقافية، حيث سيتناول د. جواد التباعي “التراث الثقافي في بلاد زيان من العصر الوسيط إلى الزمن الراهن”، بينما سيتطرق د. إدريس أقبوش إلى “السياسة الفرنسية بمنطقة أيت سكوكو خلال فترة الحماية”، ويشارك د. سعيدي المولودي، ب “مداخل إلى الأدب الأمازيغي بالأطلس المتوسط”، فيما تساهم ذة. نعيمة قصباوي بقراءة في كتاب “نهر أم الربيع: الذاكرة والتاريخ” للباحث ذ. لحسن رهوان.
ويأتي تنظيم هذا الملتقى الوطني، وفق أرضيته المعدة في شأنه، كمحطة فكرية وعلمية وتوعوية تروم إعادة الاعتبار لهذا الموروث الغني من خلال نقاش جماعي موسع، تلتقي فيه الرؤية العلمية بالمقاربة التنموية، فيما ينبع اختيار الموضوع من وعي عميق بكون المجالين الزياني والتادلي، رغم اختلاف مكوناتهما الطبيعية والبشرية، فهما يشتركان في سمات جغرافية وتاريخية جعلت منهما مجالين حيويين في تاريخ المغرب، سواء من حيث موقعهما الاستراتيجي كممر بين شمال البلاد وجنوبها، أو من حيث ثرواتهما الطبيعية المتنوعة، أو من خلال النشاط الاقتصادي والحرفي الذي ازدهر فيهما عبر العصور.
هذا الغنى الجغرافي والبشري والمجالي، حسب الأرضية، جعل من المجالين الزياني والتادلي فضاءين للإنتاج الحضاري، ولتراكم تراث مادي ولامادي متنوع، يُعد التراث المعماري العسكري أحد أبرز مظاهره، وقد ظلت القصبات والقلاع والحصون حاضرة بقوة في المشهد العمراني للمنطقتين، لا باعتبارها فقط تحصينات دفاعية، بل بوصفها بنيات رمزية تؤرخ لزمن السلطة، والتنظيم، والمقاومة، والعيش الجماعي، فيما ركزت أرضية الملتقى على أهمية هذا المكون المعماري في تشكيل الذاكرة المحلية والهوية الثقافية، من خلال كونه نتاجا لتفاعل الإنسان مع بيئته ومحيطه التاريخي والاجتماعي، ومرآة لتوازنات السلطة والهيمنة والاستقرار في مراحل مختلفة من التاريخ.
هذا التراث الذي يمتد من العصور الوسطى إلى فترة الحماية، والذي شهد تحولات وتداخلات معمارية وظيفية، يعكس دينامية سوسيو-ثقافية ينبغي تأملها وفهمها، ليس فقط في بعدها الجمالي أو التاريخي، بل أيضا في أفق توظيفها في مشاريع التنمية المحلية، والسياحة الثقافية، وإعادة تأهيل الفضاءات الذاكراتية، غير أن هذا التراث اليوم، كما تشير أرضية الندوة، يواجه جملة من التحديات، أبرزها الإهمال، والتحولات العمرانية السريعة، وضعف الحماية القانونية، وغياب رؤية مندمجة لتدبيره، مما يفرض على مختلف الفاعلين – باحثين، ومؤسسات، وجمعيات، وسكان – الانخراط في مقاربة تشاركية لصيانته وإعادة إدماجه في الحاضر والمستقبل.
ومن هنا تنبع أهمية تنظيم “الملتقى الوطني للتراث”، في نسخته الثانية، الذي يسعى إلى فتح نقاش علمي ومجتمعي حول أسئلة الحماية والتثمين، وإبراز القيمة المتعددة الأبعاد لهذه المعالم التي وإن كانت تبدو مادية، فهي محمّلة بمعانٍ رمزية غنية، وتؤرخ لفترات من التوتر، والمقاومة، والانتماء المجالي، ويُنتظر أن يُتوّج الملتقى ببيان ختامي يتضمن توصيات علمية وعملية موجهة إلى المؤسسات الوصية والباحثين والمهتمين، من أجل بناء رؤية مستقبلية لحماية التراث المعماري العسكري، وتجذيره ضمن البرامج التنموية، وربط الذاكرة بالسياسات الترابية، بما يضمن استدامة هذا الموروث الثقافي.
ويتضمن برنامج الملتقى جلسة تكريمية ستُخصص للاحتفاء بالإعلامي والفاعل المدني، ذ. محمد أباحسين، الذي ساهم لعقود في توثيق التراث المحلي وتثمينه بعدسته المتميزة، ذلك قبل اختتام فعاليات الملتقى بتنظيم جولة استكشافية لأهم المعالم التاريخية بخنيفرة، في تجربة ميدانية تقرب المشاركين من المعمار موضوع الدراسة، وتمنح بعدا حيا للنقاشات النظرية والعلمية، مع محاولة استنطاق الذاكرة الحجرية للقصبات والحصون والقلاع، بما هي تعبير عن أنظمة دفاعية ارتبطت بالمقاومة والتنظيم القبلي، ومساءلتها اليوم في ضوء رهانات التنمية الثقافية والسياحية، من خلال رؤية تستحضر البعد التراثي في بعده المحلي والوطني.
error: