“التائه”.. عمل روائي جديد، للكاتب الشاب عماد زولي، يفتح أبواب الأسئلة والتأمل بين ظلال الواقع ودهاليز الذات

72
أحمد بيضي
في عالم متسارع، لا مكان فيه للتوقف والتأمل، قد يشعر الإنسان أحيانا أنه تائه.
وقد تكون تلك اللحظات التي تتفجر فيها الأسئلة وتغيب فيها الإجابات، هي بداية رحلة من نوع آخر.
هكذا يبدأ الكاتب الشاب عماد زولي روايته الجديدة “التائه” التي يرتقب أن ترى النور قريبا جدا، والتي تفتح أبوابا على عالم من الأسئلة الفلسفية والتأملات العميقة حول الهوية، الوجود، والبحث المستمر عن المعنى في عالم يغرق في الضياع.
التائه” ليست مجرد رواية عن فرد يسير في الحياة بلا وجهة، بل هي رحلة استكشاف وجودية تلامس أعمق أعماق الذات الإنسانية، وتقدم هذه الرواية، التي تسرد حكاية شخصية تمضي وحيدة بين ظلال الواقع ودهاليز الذات، محاولة لفهم الإنسان في لحظة الصراع الداخلي بين العقل والعاطفة.
البطل، الذي يبحث عن نور في آخر النفق، يمثل حالة إنسانية عامة، هو ذلك الشخص الذي يشعر بأنّه في عالم غريب عنه، يفتقد الروابط التي تربطه به، ويعيش في بحر من الأسئلة الوجودية التي لا يجد لها إجابات شافية، وكلما حاول الاقتراب من الإجابة، اكتشف مزيدا من الأسئلة، مما يدفعه للبحث عن ذاته في محيط هذا الغموض الذي يحيط به.
العمل الأدبي لا يعد القارئ بالإجابات، بل يقدم له سلسلة من الأسئلة التي تحفز العقل وتحثه على التأمل في حالته الوجودية، و”التائه” لا يتحدث عن الضياع فقط، بل يعكس أيضا السعي المستمر وراء المعنى وسط الزمان والمكان، عن تلك اللحظة التي يصبح فيها المعنى حلما بعيدا، في وقتٍ يعجز فيه الإنسان عن الفهم والتفسير.
عماد زولي، المولود في صيف 2002، هو شاب مغربي طموح، يجمع بين عدة اهتمامات أكاديمية وفنية، باحث في علم الاجتماع، ودارس في تخصصات القانون المدني والاقتصادي والرقمي، إضافة إلى كونه تقنيا في المسح الطبوغرافي، ورئيسا لجمعية “إبداع الشباب”، ومديرا لمركز “Centre Fermat”.
ورغم تعدد اهتماماته الأكاديمية، اختار زولي أن يكتب من الهامش، ليعبر عن تجارب الإنسان المتعب من التكرار اليومي، والذي يبحث عن حلم ضائع، لا يكتب زولي فقط عن مآسي الإنسان، بل يسلط الضوء على صراعه الداخلي، عن اللامبالاة التي تسيطر عليه في بعض الأحيان، وعن اللحظات التي يصبح فيها سؤال الهوية هو السؤال الأهم.
في أعماله، يحرص زولي على الانطلاق من مواضيع إنسانية عميقة، ويعرض من خلالها حالات تعكس تجارب اجتماعية وفكرية ترتبط بالبحث عن المعنى في عالم معقد مليء بالضغوط والتحديات.
من خلال غلاف الرواية، الذي صممه الفنان عبد العالي مساعدي، يمكن للقارئ أن يستشعر أولى إشارات الرواية الفلسفية والوجودية، حيث الغلاف، الذي يعتمد على الألوان الأحادية (أبيض وأسود)، يعكس طابعا غامضا وعميقا. تظهر فيه شخصية بشرية غامضة، بلا ملامح واضحة، وهي تمسك في يد دماغًا وفي اليد الأخرى قلبا، في رمزية صراع دائم بين العقل والعاطفة.
هذه الشخصية التي تبدو غير محددة الهوية، تمثل الإنسان في حالته المجردة، في اللحظة التي يتوقف فيها عن النظر إلى ذاته كفرد ويبدأ في رؤية نفسه كجزء من السؤال الأكبر الذي لا يملك له إجابة واضحة.
التصميم يتسم بالحرفية والابتكار، إذ يضيف خطوطا خشنة تضفي على الغلاف طابعا دراميا وفنيا يعكس جوهر الرواية، ويشد القارئ للاستكشاف والتساؤل.
لا يُمكن النظر إلى “التائه” على أنها رواية تقليدية، بل هي رحلة فكرية عميقة في عالم يبحث عن هويته، الرواية تتناول موضوعات فلسفية تُعنى بالصراع بين العقل والعاطفة، الصراع بين الذات والمجتمع، وصراع الإنسان مع عالم لا يقدم له حلولًا واضحة.
يطرح زولي في روايته مفهوم “التائه” ليس فقط من منظور الفرد، بل في إطار جماعي أوسع، حيث يُمكن أن يشعر الجميع بالحيرة في عالم يزداد تعقيدا، ويصبح فيه البحث عن المعنى بمثابة مهمة شبه مستحيلة.
إحدى السمات البارزة في الرواية هي أنها تُقدم لك الأسئلة التي قد تكون متواجدة في داخلنا جميعا، لكنها تسير في مسار مختلف عن أساليب الروايات الأخرى التي تحاول تقديم إجابات واضحة للمشاكل أو الأسئلة الفلسفية، بدلا من ذلك، “التائه” يثير القلق، ويشجع القارئ على التفكير في نفسه وفي محيطه بطريقة غير تقليدية.
في النهاية، “التائه” ليست مجرد عمل أدبي؛ إنها مرآة تمثل صراع الإنسان مع ذاته ومع الواقع الذي يعيش فيه.
ويشار إلى أن الشاب عماد زولي فات أن اقتحم عالم النشر برواية “على هامش الحلم”، والتي يتضح من خلال تسلسل فقراتها أنها حريصة على تفكيك قضايا اجتماعية مختلفة، بإكراهاتها ونجاحاتها، إلى نحو نهايات مبهمة، وعلى بعض اليوميات التي نعيشها باعتبارها مجرد حلم كما جاء في المقدمة “إدراك قبل حلم”، بمعنى أن كل ما يحدث للإنسان قد يكون أدركه بصورة أو بأخرى، عبر صراع بين الحقيقة والوهم.
error: