الباحثة نبية حدوش تكشف عن “تاريخ وتراث أسرة بريشيي وجدة” من خلال مقاربة وثائقية ومنهجية علمية

64
  • أحمد بيضي
صدر حديثا للباحثة ذة. نبية حدوش، عن “دار الأمان”، بالرباط، مؤلفٌ علمي يوثق ل “تاريخ وتراث أسرة بريشيي وجدة”، في فترة مفصلية من تاريخ المغرب، امتدت خلال العهدين الحسني والعزيزي، وذلك عبر مقاربة وثائقية دقيقة تستند إلى مصادر رسمية وعائلية، تستعرض من خلالها مساهمة هذه النخبة الشريفة في محيطها السياسي والاجتماعي، وقد حظي هذا العمل بتقديم مدير الخزانة الحسنية بالرباط، ذ. أحمد شوقي بنبين، مما يضفي عليه بعدا علميا وثقافيا مرموقا، ويضم الكتاب أزيد من 300 صفحة مقسمة إلى ستة أجزاء، ومن المقرر أن يتم توقيع الكتاب برواق “دار الأمان” بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالعاصمة الرباط.
يركز الكتاب على من يُعرفون ببريشيي وجدة، وهم المنحدرون من سيدي موسى البريشي، دفين الفيضة بتافيلالت، والمستقرون في شرق المغرب، وقد حُدد الإطار الزمني للبحث بالربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهو اختيار فرضته طبيعة الوثائق التي تم الاعتماد عليها، والموزعة أساساً بين العهدين الحسني والعزيزي، وتشكل الوثيقة العنصر المركزي في بناء هذا العمل، حيث استهلت الباحثة مشروعها بتحليل 19 وثيقة عائلية، ثم وسعت دائرة البحث لتشمل 26 وثيقة سلطانية محفوظة بالخزانة الحسنية، بالإضافة إلى خمسين وثيقة ذات طابع سياسي واقتصادي، و48 وثيقة استُعملت كملحقات داعمة للسياقات التاريخية.
يتناول الجزء الأول للكتاب ظروف استقرار الأسرة البريشية بمحيط وجدة، وانعكاسات وجودها اقتصاديا واجتماعيا، فيما يسلط الجزء الثاني الضوء على الظهائر والرسوم الممنوحة لها، أما الجزء الثالث، فيتناول العلاقة بين الأسرة والدوائر السلطانية في ما يتعلق بتعيين نقبائها، ليعالج الجزء الرابع خروقات السلطة المحلية بحق الأسرة في عهد المولى الحسن، ويخصص الجزء الخامس لشكايات البريشيين تجاه بعض الفرق القبلية الشرقية خلال عهد المولى عبد العزيز، في حين يتناول الجزء السادس الرسائل التنفيذية والوثائق ذات الصلة بطلباتهم الرسمية، في خمسة فصول دقيقة.
ويهدف كتاب الباحثة، ذة. نبية حدوش، إلى وضع المادة الوثائقية بين يدي أفراد الأسرة البريشية، وأيضا بين أيدي الباحثين المهتمين بتاريخ الأسر المغربية، وبتاريخ مدينة وجدة على وجه الخصوص، والمغرب عموما خلال القرن التاسع عشر، وبينما يعبر العمل البحثي عن وعي بالهوية العائلية والانتماء، فهو يترجم شغف المؤلفة بأسرتها وتراثها، ويجسد إيمانا بضرورة إخراج هذا التاريخ إلى العلن، وتوثيقه في سياق علمي منهجي، وقد أسهمت نتائج الأبحاث الأولية في فتح آفاق جديدة أمام المؤلفة، شجعتها على التعمق في الكشوف السلطانية والكنانيش المحفوظة، وهو ما أفضى إلى العثور على معطيات جديدة، عززت المسار البحثي وحددت معالمه بدقة.
ولولا غنى الوثائق التي تم الرجوع إليها، بما تحمله من رسائل ومراسلات وسجلات، لما تسنى للكاتبة ذة. نبية حدوش، من خلال مؤلفها حول “تاريخ وتراث بريشي وجدة على العهدين الحسني والعزيزي”، إعادة تركيب تاريخ هذه الأسرة الشريفة، واستجلاء دورها في الحياة العامة، سواء على المستوى المحلي أو في علاقاتها مع المركز السلطاني، ليخرج العمل موثقا لتراث لا يزال يزخر بمواضيع تستحق البحث والكشف، ويعد إضافة نوعية إلى الخزانة المغربية في مجال التأريخ المحلي والنخب الاجتماعية، بما يحمله من دقة تحليلية وغنى وثائقي، ويستحق أن يُقرأ وأن يُناقش على نطاق واسع.
ويندرج الكتاب البحثي المتأبط لمقاربة مزدوجة تجمع بين التاريخ الاجتماعي والسياسي، من خلال قراءة نقدية تحليلية لمجموعة من الأرشيفات المخزنية، والوثائق المحلية، والمصادر الأجنبية، ضمن أبحاث الغاية منها ليست فقط كتابة تاريخ عائلة بعينها، بل فهم الآليات التي حكمت علاقة المخزن بالنخب الجهوية، وإبراز كيف استطاعت بعض العائلات أن تبني لنفسها نفوذا دائما من خلال الجمع بين خدمة الدولة وتحقيق مصالحها الخاصة، وقد مكن الموقع الحدودي لمدينة وجدة من جعلها مجالا حيويا لتلاقي المصالح المخزنية والمصالح الأجنبية، الأمر الذي جعل دور عائلة البريشي يكتسي أهمية إضافية في سياق التوازنات السياسية والإدارية.
تبقى ضرورة الإشارة إلى أن الباحثة ذة. نبيلة حدوش، هي أستاذة جامعية سابقة، وباحثة مغربية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، راكمت تجربة أكاديمية تجاوزت ثلاثة عقود في التدريس والتأطير الجامعي، كانت قد تخرجت من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وأتمّت تكوينها في عدد من المعاهد والكليات الدولية، مما أغنى مسارها العلمي والثقافي، اشتغلت أستاذة رسمية بجامعتي ابن طفيل بالقنيطرة والرباط السويسي، كما درّست كأستاذة زائرة بكليات المحمدية وسلا والرباط أكدال، وبينما شاركت في ندوات وطنية ودولية ومداخلات علمية، فات لها أن أصدرت كتاب “البريشيون أعلام ومواطن استقرار”، الصادر سنة 2017، الذي تناولته من زاوية أنتروبولوجية.
error: