
“الأنصار” في خنيفرة تستضيف “دلالات السينما المغربية” لحميد اتباتو بمشاركة ثلة من الباحثين والنقاد
-
أحمد بيضي
نظّمت “جمعية الأنصار للثقافة”، بخنيفرة، بتنسيق مع “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، مساء الأحد 6 أبريل 2025، حفل توقيع الإصدار النقدي الجديد “دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع” للباحث والناقد السينمائي د. حميد اتباتو، وذلك بمشاركة ثلة من الباحثين والنقاد، ذ. مصطفى داد، ذ. أيوب خربوش، ذ. إسماعيل هواري وذ. محمد زروال، تناولوا شخصية الكاتب وأبعاد المشروع النقدي الذي اشتغل عليه، فيما اختير لتسيير الجلسة القاص محمد الزلماطي، مع شهادة في حق حميد اتباتو من طرف أحد مؤسسي الجمعية المضيفة، المصطفى باعلي، وبينما شهد الحفل حضورا نوعيا ومميزا، اختتمت الفعالية بتوقيع الكتاب من طرف عريس اللقاء.
افتُتح الحفل بكلمة قصيرة للفاعل الجمعوي، ذ. المصطفى تودي، الذي نسج بكلماته جسرا بين الحضور ولبّ اللقاء، مؤكداً على راهنية الحاجة إلى استعادة النقاشات العميقة حول موضوع هذا الحفل، أعقبه رئيس الجمعية المحتضنة، “جمعية الأنصار للثقافة”، ذ. عبدالعزيز ملوكي، بكلمة ترحيبية بالكتاب المحتفى به، وبقلق صاحبه وانشغاله المستمر بتفكيك أسئلة الثقافة السينمائية، ولم يفوّت ذ. ملوكي الفرصة دون أن يوجّه نداءً إلى الجهات المسؤولة، من أجل خلق فضاءات جديدة للمسرح والفنون، وإحياء السينما الوحيدة التي خمد وهجها، كما دعا إلى دعم المهرجانات الحقيقية التي تحترم الذاكرة الجماعية.
-
رهانات السينما في الهوية والذاكرة والواقع
في مداخلته، تطرق ذ. مصطفى داد إلى موضوع “شعرية السينما: دلالاتها وابدالاتها الفنية”، متكئا على أعمال الدكتور اتباتو، الذي شكل علامة فارقة في مجال النقد السينمائي، بإبداعه في مقاربات متعددة ومداخل متنوعة، متوغلا في تعقيدات الفن السابع، ومقدما رؤى فكرية تستجيب لطموحات عشاق السينما، حيث انطلق المتدخل ذ. داد من استحضار “براعة اتباتو في الكتابة حول السينما، وقدرته على تحليلها من منظور يتجاوز المتعة البصرية إلى عمق ثقافي وفني يعانق الأسئلة الكبرى للهوية والذاكرة والواقع”، متناولا في عرضه البنية المعمارية لكتاب د. اتباتو، من منطلقاته النظرية إلى رهاناته النقدية.
وتوقف ذ. داد عند العنوان بوصفه بوابة دلالية، كما عند المضامين التي تحاول “تفكيك الخطابات السينمائية المحلية في علاقتها بالرهانات الجمالية للفرجة السينمائية ببلادنا”، فالكتاب، حسب داد، هو “محاولة نبش في خبايا السينما المغربية، وطموح للتوغل في مجاهلها، وفهم تعقيداتها، من خلال مساءلة مفاهيمية دقيقة ترتبط بالتراث والمدينة والذاكرة والتاريخ، وهو ما يجعل من العمل “عملا بحثيا متكاملا يزاوج بين الحس النقدي والهاجس التوثيقي”، بينما ركز المتدخل على البعد الثقافي كأحد المفاتيح الأساسية لفهم الإبداع السينمائي، معتبرا أن هذا الإبداع لا يمكن فصله عن سياقه الثقافي والهوياتي.
ورأى ذ. داد أن كتاب د. اتباتو يشكل “محاولة جادة لإشباع قلق البحث في السينما المغربية، واستجابة عميقة للأسئلة الملحة التي ما فتئت تحوم حول هذا الحقل الفني”، وأشار إلى أن اتباتو “لا يكتفي بوصف السينما كفن، بل يراها صناعة ثقافية قائمة على تفكيك العُدة المفاهيمية التي تتحكم في إنتاج الخطاب السينمائي وتداوله”، كما أولى ذ. داد أهمية خاصة للذاكرة بمختلف تجلياتها داخل هذا العمل، سواء الفيلمية أو التاريخية أو النفسية، كما أبرز أهمية الثقافة الشعبية في كتابات الكاتب بوصفها “مرجعا دلاليا ومعينا لا ينضب من الرموز، الإيقاعات، والتمثلات التي تُغني النص البصري وتمنحه طابعا محليا بخصوصية قادرة على معانقة الكوني”.
وفي ذات السياق، سجل ذ. داد أن كتاب اتباتو “يسهم بشكل كبير في التوثيق لمسيرة السينما المغربية، ويعزز من حضورها في زمن التحولات الثقافية والثورة الرقمية”، ومن خلال قراءة فكرية وجمالية لكتاب الدكتور اتباتو، اعتبر داد أن هذا العمل “يشكل رهانا نقديا حقيقيا، وفعلا ثقافيا يتجاوز النقل الحرفي للواقع نحو بناء جمالي مشبع بالدلالات والمعاني المعانقة للأسئلة الكبرى وللهوية، والتاريخ، والتحول المجتمعي”، ومن هذا المنطلق، يوجه الكتاب دعوة صريحة إلى “ضرورة جعل الهم الثقافي مدار الاهتمام في كل تجربة سينمائية”، لأن السينما، في نهاية المطاف، ليست مجرد فرجة بل هي فعل يقتضي وعيا نقديا يؤمن بأن الجمال هو وجه آخر للمعنى.
-
الخطاب السينمائي أداة للتعبير عن القلق الوجودي
أما الباحث ذ. أيوب خربوش فشارك بموضوع “آليات تحليل الخطاب السينمائي في المشروع النقدي للدكتور حميد اتباتو”، مستعرضا من خلاله جوانب متعددة من مسار هذا الناقد المبدع الذي شكل بصمة فريدة في المشهد الثقافي والسينمائي المغربي، مؤكدا أن مداخلته ليست مجرّد قراءة تحليلية لأعمال اتباتو، بل جاءت كما وصفها بنفسه، “محاولة لاستعراض أفكار ومفاتيح قرائية تفتح النقاش حول عمق المشروع النقدي الذي اشتغل عليه هذا الباحث لسنوات”، حيث سلّط ذ. خربوش الضوء على شخصية د. حميد اتباتو ليس فقط كأستاذ تتلمذ على يديه العديد من المهتمين والباحثين، بل كإنسان ميداني عاشق للسينما.
وبينما ذكر بمدى إيمان اتباتو بالفعل الثقافي، خاصة من خلال مساهماته في نادي البوعناني حين كان يدرّس بقرية تيغسالين بإقليم خنيفرة، وما يعكس ارتباطه القوي بالوسط الثقافي المحلي وإيمانه بدور التكوين السينمائي في الأوساط الهامشية، اعتبر خربوش أن مداخلته هي بمثابة “دين مستحق للأستاذ الذي علّم الكثيرين أبجديات الثقافة السينمائية”، مشيرا إلى أنه “لطالما راوده حلم المشاركة في تحليل أحد أعماله، وهو ما تحقق له أخيرا”، ليتوقف عند تفاعل د. اتباتو المستمر مع أسئلة السينما وقضاياها، مؤكدا أن هذا “التفاعل لم يكن سطحيا بل متجذرا في مشروع نقدي واعٍ، تتداخل فيه الأبعاد الفكرية والجمالية والاجتماعية”.
كما أشار ذ. خربوش إلى الرمزية الكامنة في عناوين مؤلفات اتباتو، خاصة استخدامه المتكرر لصيغة الجمع، والتي تعكس وعيا بتعدد زوايا الرؤية وتنوع الخطابات السينمائية، ما يجعل من أعماله أبوابا مفتوحة على أسئلة حول واقع السينما المغربية، وفي هذا السياق، حاول ذ. خربوش ربط عنوان كتاب اتباتو بعناوين مؤلفاته السابقة، محللا دلالة استخدام كلمة “دلالات” مثلا، والتي “لم تكن اعتباطية، بل تنم عن وعي بمراحل تطور صناعة السينما المغربية، وتمثل إشارة إلى المسارات التي عبرتها السينما في علاقاتها بالتحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية”، ومن خلال تتبع هذه العناوين، برز حضور سؤال التأصيل والتأسيس كهاجس ملازم للباحث.
وشدد خربوش على “ضرورة انخراط مختلف الفاعلين في بناء سينما مغربية نابعة من عمق المجتمع، تعكس قضاياه وتحولاته”، وفي هذا الإطار، استحضر مجموعة من أعمال اتباتو التي تُعد بمثابة دعوة للتفكير، حيث تميزت بعمق فلسفي واضح، وجاءت “نتيجة شغف معرفي بالسينما باعتبارها أداة للتعبير عن القلق الوجودي والجمالي”، وقدّم ذ. خربوش قراءة في فصول الكتاب التي اعتبرها “سفرا عبر تاريخ السينما المغربية”، موضحا كيف نجح اتباتو في تضمين صوت فئات اجتماعية متعددة، وفي طليعتها المرأة، التي حضرت بقوة في كتاباته من زوايا حقوقية، سياسية، اجتماعية وإيديولوجية، ما يعكس رؤية نقدية تنفتح على مختلف الروافد.
-
أسئلة السينما وارتباطها بسياقها السوسيو-ثقافي
وبدوره، أضاء ذ. إسماعيل هواري جوانب عميقة من التجربة النقدية للكاتب د. حميد اتباتو من خلال مداخلته الموسومة بـ “السينما المغربية وأسئلة الهوية: نحو أبستيم ميتا نقدي”، منطلقا من الإشارة إلى ما يدعو إليه اتباتو في كتابه من توسلات الكتابة والتأويل، حيث يبرز “البعد النضالي للكتابة النقدية كرافعة للترافع من موقع المهمش، ويجعل الفن والإبداع وسيلتين للخلود ومقاومة التلاشي”، فيما استعرض ذ. هواري منهج اتباتو النقدي وأدواته المفاهيمية، معتبرا أن هذا العمل “يندرج ضمن ما يسميه بالميتـا نقد، لما يحمله من تحليل واعٍ للخطاب النقدي في حد ذاته، ومن تفكيك لمقولاته الداخلية في علاقة عضوية مع تعقيدات الواقع”.
وأبدى ذ. هواري اهتماما خاصا بأسلوب د. اتباتو في ملامسة الإبداع السينمائي، حيث “لا يكتفي هذا الأخير برصد الجماليات الشكلية، بل ينفذ إلى عمق الخطاب الفيلمي، ويشتغل على التناسقات البصرية من زاوية تفكيكية ترصد الحياد والتموقع إزاء المعنى دون اختزال أو تعليب”، وفي قراءة لافتة للكتاب، توقّف ذ. هواري عند الغلاف وألوانه ورسمته، مشيرا إلى “التوظيف الواعي لأدوات التشكيل في منح العمل بعدا جماليا”، كما سلط الضوء على الفصول الداخلية، والتي توزعت بين الأسلوب التحليلي الأكاديمي، والأسلوب الوصفي الذي يرصد تقنيات السينما والمعالجة الجمالية، ثم الأسلوب الحجاجي الذي يخلق دينامية تفاعلية بين الكاتب والقارئ.
ويبرز ذ. هواري، من خلال هذا التعدد الأسلوبي، حضور النقد الثقافي لدى اتباتو، حيث “تتقاطع المرجعيات وتتكامل المناهج، ما يمنح النص مرونة خاصة ويبعده عن كل نظرة اختزالية”، فيما أوضح أن “استقلال الفن عند اتباتو لا يعني القطيعة مع الفنون الأخرى، بل يشكل نوعا من الانفتاح المبدع على التعدد”، وقد بيّن أن “التكامل بين النظري والتطبيقي يظل من أبرز خصائص اشتغال اتباتو”، إذ لا يكتفي هذا الأخير بالتحليل الجمالي، بل “يربط العمل السينمائي بسياقه السوسيو-ثقافي، ويتعامل مع الفيلم بوصفه ثمرة للألم والجمال، ولحركية الواقع وقلق الهوية في الآن ذاته”.
كما عبّر ذ. هواري عن إعجابه ب “رفض اتباتو لتقليد النموذج السينمائي الغربي، سواء في مستوى الإبداع أو الإنتاج أو النقد، داعيا إلى بناء سينما مغربية حقيقية، أصيلة في هويتها ومتجددة في رؤيتها”، وهو ما يرتبط بما أسماه “قلق الانتساب” في النقد السينمائي، والذي “يعكس انشغالا دائما بمرجعية الذات وحدود الانتماء في ظل التحولات الثقافية والرمزية المتسارعة”، واختتم ذ. إسماعيل هواري مداخلته ب “الدعوة إلى انفتاح الأكاديميين على الحقل السينمائي، وتأسيس حلقة متخصصة في النقد السينمائي، مع اقتراح إحداث جائزة نقدية تحمل اسم حميد اتباتو”، اعترافا بإسهامه المتميز في ترسيخ خطاب نقدي أصيل.
-
عندما تنتصر السينما المغربية للهامش والمهمشين
وفي مداخلة مفعمة بالشجن والحنين، والمعنونة ب “الانتصار للهامش في المشروع النقدي للدكتور حميد اتباتو”، افتتح ذ. محمد زروال بدوره حديثه عن الدكتور حميد اتباتو، مستحضرا العلاقة الإنسانية والفكرية التي جمعته به، ومعبّرا عن التقدير الكبير الذي يكنه له، ليس فقط كناقد ومفكر، بل ك “إنسان انخرط في الدفاع عن البسطاء والمهمشين، حيث جعل من هذا الانحياز مشروعا ثقافيا متكاملا”، حيث تحدث ذ. زروال عن هذا الاصطفاف النبيل مع المتسولين والمشردين والبؤساء، كاشفا عن “عمق إنساني رافق تجربة اتباتو وامتزج في كتاباته حول هؤلاء الذين يعيشون على هامش الحياة”.
وانتقل ذ. زروال إلى استحضار مقاطع من كتابات حميد اتباتو التي خص بها المشردين، وكيف “صاغ من وجعهم اليومي مداخل لفهم المجتمع من الزوايا المسكوت عنها”، هذا التوجه الفكري قاد اتباتو إلى ولوج عالم السينما والمسرح المغربيين بشغف وهوس معرفي، حيث “عمل على تفكيك المرتكزات الأساسية للسينما المغربية، وتحليل تمثلات الهامش في الأعمال الفنية، مستنداً في ذلك إلى مقاربات تجمع بين النقد الجمالي والوعي السوسيولوجي”، فضلا عن رسمه، عبر ثلاثين سنة من الكتابة، مشروعا نقديا نادرا في الثقافة المغربية، حيث تبنّى مفاهيم الذاكرة، الهوية، والهامش كمرتكزات أساسية لمقاربته الفنية والفكرية.
وتوقف ذ. زروال للتطرق للانتماء إلى الهامش الذي اعتبره اتباتو “ليس تهميشا بقدر ما هو احتفاء بمصدر أصيل للجمال والإبداع والبساطة، ولا يقابله إلا المنسي واللامرئي”، وقد سعى اتباتو إلى خلق فضاءات للاعتراف بالهامش، من خلال تفكيره مثلا في إطلاق “مهرجان لسينما الهامش”، في خنيفرة، غير أن الفكرة انتقلت لاحقا إلى جرسيف، دون أن يفرّط اتباتو في “التزامه برؤية ترى في الهامش منجما لرأسمال رمزي وثقافي عميق”، وذكّر ذ. زروال بعدد من الأفلام التي اعتبرها نموذجا للسينما المنحازة للهامش، مثل “باي باي سويرتي” لداوود أولاد السيد، و”علي زاوا” لنبيل عيوش الذي أدى أبطاله أدوارهم بكثير من الصدق رغم أنهم لم يتلقوا تكوينا في التمثيل.
وأشار ذ. زروال إلى أن اتباتو “كان بارعا في التقاط تفاصيل “الخراب الداخلي” الذي ينهش المجتمع، من خلال شخصيات سينمائية تحاكي محنا واقعية لا تجد من يلتفت إليها”، فيما أبرز ذ. زروال حرص اتباتو على العودة إلى “جذور الذاكرة والثقافة حين يتناول موضوعات الهامش، حيث يستند إلى علوم إنسانية ومصادر معرفية متنوعة لتشكيل خريطة واضحة المعالم تُعين القارئ على فهم الرؤية الفيلمية”، كما لم يغفل زروال “التفاوت اللساني في الدارجة المغربية بين المناطق المختلفة”، ومستحضرا دعوة اتباتو المستمرة إلى حضور أقوى للثقافة الأمازيغية في الإنتاجات السينمائية، رغم أن هذه الدعوات لم تلق الصدى المرجو في صفوف نقاد السينما.
-
عودة إلى السطر