“إبليسطا” لكاتبها محمد شهبون: رواية لليافعين تجمع بين الهاجس التربوي والتشويق السردي
499
شارك
أحمد بيضي
في عمل أدبي مشوق، يطل علينا المفتش التربوي والفاعل المدني، ذ. محمد شهبون، بروايته الأولى “إبليسطا”، الصادرة عن دار بصمة للنشر، وهي رواية موجهة لليافعين والشباب، تسعى إلى مخاطبة هذه الفئة بلغتها، وهواجسها، وواقعها المعاش، من خلال معالجة قضية مجتمعية شائكة تؤرق الأسر والمؤسسات التعليمية والمجتمع المغربي برمته.
الرواية، الممتدة على حوالي 120 صفحة متوزعة على عشرين فصلا، تتخذ من حادثة مقتل أحد الفتيان نقطة انطلاق لحبكة بوليسية مشوقة، تدور أطوارها داخل فضاء مدرسي يعج بالأسئلة والصراعات والانفعالات، في جو يشبه التحقيق البوليسي، ينخرط زملاء الضحية في البحث عن الحقيقة، ويتتبع القارئ خيوط الجريمة والملابسات المحيطة بها، ليس فقط لفك لغزها، ولكن لفهم العوامل الخفية التي تؤدي بمراهقين إلى مسارات مظلمة، في غفلة من الأسرة أو المدرسة أو المجتمع.
في “إبليسطا”، لا يكتفي ذ. محمد شهبون بسرد قصة مثيرة، بل يوظف هذا السرد كأداة لتفكيك واقع معقد، تنبع منه الأسئلة حول القيم، والهوية، والضياع، والانتماء، والتأثيرات السلبية للوسائط الحديثة، وغياب القدوة، وضعف التأطير النفسي والتربوي، ولعل أبرز ما يميز الرواية هو تلك الموازنة الذكية بين التشويق والمضمون، حيث لا يقع القارئ في رتابة الخطاب الوعظي، بل يجد نفسه منساقاً خلف خيوط الحكاية، التي تتقاطع فيها الحياة اليومية مع لحظات التوتر والقلق والأسى.
الرواية تُعد أيضا تجربة تعليمية غنية، إذ توفر أرضية مناسبة للاستثمار داخل الفصل الدراسي، سواء من طرف التلاميذ الذين يمكنهم من خلالها تطوير مهارات القراءة النقدية، أو من طرف الأساتذة الذين قد يجدون فيها مادة غنية للربط بين اللغة والواقع، وبين الأدب والمجتمع، فهي مكتوبة بلغة عربية فصيحة، سلسة ومناسبة لمستوى اليافعين، تتيح للمتعلمين تعزيز رصيدهم اللغوي والتعبيري، والانخراط في نقاشات حول القيم والاختيارات والمسؤولية الفردية.
كما أن “إبليسطا” ليست فقط رواية مسلية، بل مشروع تربوي وثقافي يهدف إلى بناء وعي نقدي لدى الشباب، ومساعدتهم على طرح الأسئلة الصحيحة حول ما يحدث حولهم، وحول أنفسهم أيضاً، إنها مساهمة أدبية من كاتب يحمل همّ التعليم والتكوين، ويؤمن أن الكلمة يمكن أن تكون وسيلة للوقاية كما هي أداة للتغيير.
هذا العمل، الذي جاء بعد سنوات من التفكير والتخطيط، يمثل ثمرة حلم طال انتظاره، ليخرج إلى الوجود بدعم فني من المبدع توفيق لبيض، الذي تكلف بمتابعة التفاصيل الفنية والإخراج الجمالي للرواية، ورغم ما يحمله العمل من قيمة أدبية وتربوية، فإن المؤلف أصر على جعله متاحاً للجميع، من خلال تسعير رمزي يسهل على أبناء وبنات الوطن اقتناؤه والاستفادة منه.
برواية “إبليسطا”، يفتتح محمد شهبون سلسلة روائية موجهة لفئة اليافعين، حاملة لرسائل إنسانية وتربوية، وواعدة بمواصلة المسار نحو أعمال أخرى قادمة، إذا ما وجد المشروع التشجيع والدعم من القارئ المغربي، ومن المؤسسات التربوية والثقافية التي تؤمن بأهمية الأدب في بناء الإنسان والمجتمع.
وعن هذا العمل الأدبي الذي يشكل باكورة مشروع طموح يستهدف اليافعين والشباب، لم يفت الكاتب محمد شهبون أن يوجه نداءً صادقاً لتشجيع الإبداع المغربي، معتبراً أن الرهان الحقيقي اليوم هو على الكلمة التي تلامس العمق، وتزرع بذور التغيير في الوعي الفردي والجماعي، ولعل الأمل الذي يحمله الكاتب لا يقف عند “إبليسطا”، بل يمتد نحو رواية ثانية في الأفق، تسير على النهج ذاته.
وفي المقابل، لا يُخفي الكاتب ذاته حجم المعاناة التي رافقت ولادة هذا العمل، كاشفاً أنه كتبه بحرقة داخلية، واستخلص له من زحمة الانشغالات أوقاتاً نادرة، ليبذل فيها كل ما استطاع من جهد وإتقان، وفاءً منه لهذه الفئة العمرية، وإيماناً بأن الكتابة ليست ترفاً، بل رسالة ومسؤولية.