“لحظة من فضلك”.. مولود خامس للشاعرة خديجة بوعلي يزاوج بين الإحساس الذاتي والهم الإنساني
323
شارك
أحمد بيضي
تزامنا مع “اليوم العالمي للشعر”، تعززت الساحة الشعرية المغربية بعمل جديد حمل توقيع الشاعرة الزيانية، خديجة بوعلي، التي أعلنت عن ميلاد ديوانها الموسوم بعنوان “لحظة من فضلك”، هذا الإصدار، الذي يحتوي على حوالي 90 صفحة، يأتي ليُضاف إلى رصيدها الشعري الذي يضم دواوين: “أحلام بلون الشفق”، “أفول المواجع”، “سمفونية حنين” و”لحظات معراج”، مما يعكس مسيرتها المتجددة في عالم الإبداع الشعري، وليس من المستبعد أن تضع الشاعرة بوعلي أولى تواقيعها على مولودها الإبداعي الجديد في المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته الثلاثين بالعاصمة الرباط، المقرر تنظيمه خلال الفترة ما بين 17 و27 أبريل الجاري.
بغلاف صُمِّم من قِبل الزجال سعيد بوطرين، ولوحة تشكيلية مبدعة بريشة الفنان محمد العلامي، يفتح ديوان “لحظة من فضلك” نافذة جديدة على عوالم الشاعرة الداخلية، مقدماً للقراء تجربة أدبية متميزة، فيما حظي هذا الديوان بمقدمة عميقة بأنامل الروائية والشاعرة سعدية بلكارح، التي سلطت الضوء على “اللغة الشعرية المستثمَرة فيه”، مؤكدة أن “متعة قراءة الشعر تتأتى من فهمه العميق الذي يتحقق عبر لغة قادرة على مدّ جسور التذوق بين الشاعر والمتلقي”، وهو ما تحقق بامتياز في ديوان “لحظة من فضلك”، حيث اختارت بوعلي أن تصوغ تجربتها الشعرية بأسلوب يجمع بين الجزالة والعمق الدلالي.
في مقدمتها، أشارت صاحبة رواية “جدائل متعبة”، الأديبة والشاعرة سعدية بلكارح، إلى أن عنوان الديوان ذاته “لحظة من فضلك”، يحمل في طياته دعوة للتوقف والتأمل، وهو “اختيار ذكي يعكس مهارة الشاعرة في توظيف اللغة لتوجيه انتباه القارئ نحو القضايا الجوهرية التي يتناولها الديوان”، فالشاعرة، من خلال هذا العنوان، لا تكتفي بإلقاء قصائدها، بل “تدعو المتلقي للحوار معها، ليرى العالم من خلال رؤيتها الشعرية المتقدة”، وأوضحت بلكارح أن اختيار هذا العنوان لم يكن عبثياً، بل “يمثل نداءً داخلياً للشاعرة ذاتها قبل أن يكون دعوة للقارئ”، وكأنها تضعه في لحظة فاصلة بين الإدراك والتأمل، بين الكشف والتجلي.
وأوضحت بلكارح في مقدمتها أن الشاعرة خديجة بوعلي، القادمة من قلب الأطلس، “تستلهم من بيئتها الجبلية شموخ القصيدة ورخامتها”، إذ “تنسج صوراً شعرية تحمل في تفاصيلها ملامح الطبيعة، ووهج المعاناة، وتأملات الذات الباحثة عن كينونتها في مجتمع يختلط فيه الأمل بالألم”، فهي شاعرة تمزج بين التجربة الذاتية والهم الإنساني، مسلطة الضوء على قضايا المرأة، لا سيما تلك المهمشة في القرى والجبال، حيث تتقاطع الأنوثة مع قسوة الظروف الاجتماعية، وتضيف بلكارح أن هذه السمة تجعل من ديوان “لحظة من فضلك” أكثر من مجرد عمل أدبي، بل “شهادة شعرية على واقع المرأة المغربية التي تحمل في داخلها أوجاع الأرض والطبيعة والمجتمع”.
كما لم يفت كاتبة رواية “الجرعة الأخيرة” التأكيد أن اللغة في ديوان بوعلي “تنساب بسلاسة، ممزوجة بجرس موسيقي داخلي يضفي على النصوص بُعداً جمالياً”، بينما “تتخذ الصور الشعرية بعداً تأويلياً يُفسح المجال للقارئ كي يكوّن رؤيته الخاصة”، وتبرز هذه الخصائص في قصائد تحمل عناوين ذات دلالات مكثفة مثل “على ذمة الشعر” و”يد واحدة تكفي”، حيث يظهر الاشتغال العميق على “انتقاء المفردات وإعادة تشكيلها في قوالب تعبيرية بديعة”، وتستشهد بلكارح ببعض المقاطع الشعرية التي تكشف عن براعة الشاعرة في المزج بين الإيقاع الداخلي والتدفق العاطفي، مما يجعل القارئ أسيراً لجمالية التراكيب والصور.
كما لفتت بلكارح إلى أن الشاعرة خديجة بوعلي “تُعد من الأسماء اللامعة في مجال قصيدة النثر، حيث استطاعت أن تثبت حضورها من خلال قدرتها على تطويع اللغة وبناء صور شعرية تحرك المشاعر وتشحذ المخيلة”، إنها “تُقدم نصوصا تعكس شغفها بالقصيدة، نصوصاً تحكي عن الفقد، عن الأمل، عن الحب، وعن صراع المرأة مع الواقع، ببوح حميمي يجعل القارئ يتماهى مع النص كأنه جزء من تجربته الخاصة”، وتضيف بلكارح أن بوعلي تمتلك القدرة على “إضفاء طابع فلسفي على بعض نصوصها، بحيث تثير تساؤلات حول الحياة والمصير”، مما يمنح النصوص “أبعادا متعددة تمنح القارئ تجربة قرائية مختلفة في كل مرة يعود فيها إلى الديوان”.
وفي ذات السياق، أشارت كاتبة ديوان “حبات المطر”، في ختام مقدمتها، إلى أن ديوان “لحظة من فضلك” هو بمثابة مرآة “تعكس عوالم الشاعرة الداخلية وتقدم للقارئ متعة التأمل والغوص في طبقات النص الشعري”، حيث يجد كل قارئ نفسه داخل قصيدة، ويتردد صداه بين سطورها، إنه “دعوة مفتوحة للاستمتاع بفن القول، واكتشاف أبعاد جديدة للكلمة الشعرية التي تحمل بصمة الشاعرة بحسها المرهف وعينها النافذة التي تلتقط التفاصيل بذكاء وإحساس عميقين”، وتؤكد بلكارح أن تجربة بوعلي في هذا الديوان تمثل خطوة جديدة في مسارها الشعري، حيث تحقق توازناً بين التجربة الذاتية والبعد الإنساني، وبين التجديد الأسلوبي والحفاظ على الجوهر العاطفي للقصيدة.
يضم ديوان “لحظة من فضلك” للشاعرة خديجة بوعلي أكثر من 30 قصيدة تعكس في طياتها عمق التجربة الشعرية وحسها الإنساني المرهف، ومن أشعار الديوان: القصيدة الحاملة لعنوان الديوان “لحظة من فضلك”، والتي اختارتها الشاعرة لظهر عملها الشعري الجديد: أفتتني من جديد/ أرمي البقايا الزائدة أدراج الرياح/ أنظف زواياي عن ظهر طهر/ أرتبني من رأس الوريد حتى أخمص الحلم/ ذاك النور المرفرف بلا هدى… بلا مدى… أقص جناحيه قليلاً/ أشذب أغصان سدرته المشتهاة/ ذاك المنى المغمور في حمرة الغسق…/ المراوغ لهدير الفراغ/ أزلزل الصدر من تحت قدميه البضتين/ أقلم أهداب عيونه المستبشرة…
يبدأ الديوان بـتقديم، ثم قصائد، ماذا بعد؟، ليت العمر مسودة قصيرة، ركون بوصيد الصمت، خالية الوفاض، من يفتيني في رؤياي!، في اليوم العالمي للشعر، كل الأفراح هراء، لا تنتظر درس الغراب، خفقات غروب، أزيز الشوق، بين دفتي الصبر، هذيان المفترق، شلل الحياة من صخب المارة، مسافات تزهق النبض، أين الاختباء؟!، زفرات على وتر النبض، درك أسفل من غياب، من يلتقط هذي الأشلاء؟!، للخيبة هزات، لحظة من فضلك، انتهاء أم عودة إلى السطر؟!، يد واحدة تكفي، فلاش باك، على محمل الجد، كهف الأمنيات، صدى الهديان، على ذمة الشعر، نفاد الصبر، هزة في سلم السكون، هلاً عدت، نشاز أنا.