عرض مسرحي لفرقة أغورا بخنيفرة يعيد الحياة لشخصيات تاريخية من بلاد زيان

1٬084
  • أحمد بيضي
احتضن “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، مساء الأحد 30 مارس 2025، عرضا مسرحيا استثنائيا من بنات “فرقة أغورا للمسرح”، بعنوان: “هذا أنا”، يحمل بصمة الإشراف الفني للفاعل المسرحي ياسين الحجام، وإخراج الفنان عبدالله شيشة، هذا العمل الفني الذي جاء بدعم من المديرية الجهوية للثقافة، وبشراكة مع المركز الثقافي أبو القاسم الزياني، قد نال نجاحه من إعادته إلى الأذهان شخصيات تاريخية بارزة في المشهد المحلي، مجسدا رموزا ثقافية وأدبية وفقهية ومقاومية ذات أهمية كبيرة في الذاكرة الزيانية.
المسرحية قدمت للجمهور رحلة عبر الزمن من خلال شخصيات متميزة قدمت نفسها ككتاب مفتوح، مثل شخصية المؤرخ والوزير أبو القاسم الزياني، ثم القائد والمقاوم الشجاع موحى وحمو الزياني الذي حارب الاستعمار الفرنسي، والشخصية الأدبية المعروفة أحمد بن قاسم المنصوري، بالإضافة إلى الفنان الراحل محمد رويشة الذي يعتبر أحد أعمدة الفن الأمازيغي، حيث تمكن العرض المسرحي من الاستفادة من الميراث الفكري في المادة التاريخية، عبر ربط الماضي بالحاضر في صياغة فنية جديدة قوامها عناصر المسرح ولغته.
الممثل الأول تقدم بشخصية أبو القاسم الزياني (1734 – 1833)، المؤرخ والوزير في الدولة العلوية، الذي ردد صوته في أحد المشاهد “ياليت التاريخ يُكتب من جديد”، مستعيدا دوره كمؤرخ بارع سجل أحداث عصره في مؤلفه الشهير “الترجمانة الكبرى” المصنف ضمن أدب الرحلات، والذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه، ويروي أخبار ثلاث رحلات قام بها إلى الحجاز ومصر والآستانة والمشرق،  وهو الذي قام بأسفار كثيرة واستطاع أن يكتب خمسة عشر مصنفًا من الحجم الكبير.
وبمساعدة فتاة من أطر المركز الثقافي التي لعبت دور الراوي والمُحاور بما أضفى على العرض دينامية وتفاعلا بين الشخصيات والجمهور، تقدم الممثل الثاني بزي تاريخي، وهو يبرز معنى “كتابة التاريخ بريشة العارفين”، مشيرا إلى أن “التاريخ لا يُكتب بالحبر وحده، بل بكباء العنبر”، في إشارة منه إلى كتاب: “كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر”، قبل أن يفتحه الممثل لقراءة أسطر منه، بوصفه المؤرخ الشهير أحمد بن قاسم المنصوري (1897-1965)، الذي أبرز من خلال كتابه المعالم الدينية والاجتماعية بالأطلس المتوسط.
ثم جاء الممثل الثالث، متأبطًا آلة الوتر، مرددا أن “الوتر لا يُعزف بالأنامل فقط، بل بالقلب”، والذي به غني للحزن والفرح، وللحب والأرض والجمال والحياة، ولم يكن هذا سوى شخصية الفنان الأمازيغي الذي قال: “خنيفرة، ما نموت حتى نموت حداك”، محمد رويشة (1950-2012) الذي ظل فنانا تراثيا شعبيا أمازيغيا مغربيا، تميز بالعزف على آلة الوتر، وامتزج أداؤه بين الألوان المحلية والوطنية، كما أوصل آلة “لوتار” إلى العالمية إلى أن ظلت سمعته وأغانيه حية في الذاكرة الفنية المغربية.
أما الممثل الرابع، فقد تقدم حاملا بندقيته، متحدثًا عن المقاومة و”الحرية التي ليس لها ثمن”، ليقدم نفسه بشخصية البطل المقاوم موحى وحمو الزياني (1857-1921)، والذي كان أحد أبرز رجال المقاومة في التاريخ المغربي الحديث، واشتهر بنضاله المستميت في معارك كثيرة ألحق فيها هزائم ساحقة بقوات الجيش الفرنسي، فيما كان موحد القبائل الزيانية في الأطلس المتوسط المغربي، وقائدا قويا ضد الاستعمار الأجنبي، والذي تم تعيينه قائدا على زيان من قبل السلطان الحسن الأول.
ومن خلال العرض المسرحي، وتناوب شخوصه على دائرة الضوء، كانت كل شخصية انتهى دورها تتسلم لها وردة من الفتاة الزيانية، في إشارة رمزية إلى تكريم التاريخ ورموزه، ومن أبرز ما ميز العرض أيضا هو مشاركة أربع فتيات جسدن شخصيات مقاومات زيانيات ضد الاستعمار الفرنسي، مما أعطى للمسرحية بعدا نسويا بارزا يعكس دور المرأة في الكفاح الوطني، ذلك إلى جانب فتاة بزي تقليدي يرمز إلى هوية خنيفرة العريقة، مكرسة حضور القلعة الحمراء (خنيفرة) كجزء من المشهد المسرحي.
العمل المسرحي كان نتاج ورشة اشتغلت لمدة أسبوع فقط، ومع ذلك جاء غنيا بمكوناته التي تعكس الهوية المغربية في تعدديتها الثقافية واللغوية، وشارك في تجسيده أطفال وكبار، مما أضفى عليه تنوعا في الأداء انطلاقا من افتتاح العرض بمشهد معبّر تجلى في مجموعة من الأطفال والطفلات يحملون الأعلام الوطنية، مرددين بصوت واحد “سبُوعة ورجَّالة”، في استحضار واضح لسيرة المنتخب الوطني لكرة القدم، وبعدها ارتفعت أصوات دفوف أحيدوس، تلتها مقاطع من فن الماية لتعكس الرمزية العميقة للمكان والجبل و “لأسود الأطلس”.
ولم يفت العرض المسرحي الاختتام بأداء جماعي لأغنية “صوت الحسن ينادي”، في إشارة لتعاقب الأجيال وترسيخ مفهوم الوطن الواحد الذي يحمل تاريخا مترابطا ومتسلسلا، من حيث الماضي أو التاريخ يمثل مادة خصبة تساعد على فهم الحاضر والتعامل معه ومواجهة مشكلاته، ورغم نجاح العرض بامتياز برز غياب خشبة مسرحية تيسر عمل المخرج والأداء المسرحي، ما يفرض حاجة المدينة إلى توفير مسرح متكامل بمواصفات فنية وتقنية تليق بالحركة المسرحية الصاعدة والنشيطة في هذه المدينة.
وتجدر الاشارة إلى أن تشخيص العرض تم بمشاركة مجموعة من الأشخاص، هم جميلة خويا موح، ياسمين باحسا، ابتسام والعبي، منى البدوي، سلمى أشهبون، حسناء بومرسيط، أسماء أمادي، محمد بلمين، فؤاد اقدور، مصطفى بلحسن، أيوب صماما، أسامة باحاج، أيوب عليلو، زينب وحمي، حفصة عشميش، إلى جانب الأطفال، خولة عشميش، نعمة أمادي، رانيا الكواز، هبة تيسي وخولة الكواز، فضلا عن الجانب التقني ليوسف الركراكي وتصميم ملصق العرض لأمين موكيل.
 
error: