رأي: الفرنسية في المغرب: لغة تواصل أم عقدة نفسية؟

321
  • محمود آيت الحاج (°)
من الظواهر الاجتماعية التي تستحق التأمل في مجتمعنا المغربي هي ذلك الإحساس بالدونية المرتبط باستخدام اللغة الفرنسية، وكأنها معيار للتحضر أو الذكاء. هذه الظاهرة التي نجدها في كثير من الفضاءات العامة، تكشف عن إرث ثقيل خلّفه الاستعمار الفرنسي، والذي لم يكن مجرد استعمار فقط، بل مشروعا طويل الأمد لفرض ثقافة معينة وجعلها جزءا من هوية المجتمعات المستعمَرة.
إن ما يثير الاستغراب هو أن بعض المغاربة لا يشعرون بالراحة عند الحديث بلغتهم الأم، سواء العربية أو الأمازيغية، بل يسارعون إلى إدخال كلمات فرنسية في حديثهم حتى ولو لم يكن الموقف يستدعي ذلك. المشكلة هنا ليست في تعلم لغة أجنبية، فهذا أمر محمود ومفيد، بل في استخدام هذه اللغة أداة للتفاخر، وكأنها تمنح صاحبها قيمة اجتماعية أعلى. في المقابل، نجد أن المواطن الفرنسي مثلا، أو أي أجنبي آخر، لا يشعر بحاجة إلى إثبات ذاته بلغات أخرى، بل يتحدث بلغته الأصلية بكل فخر.
فلماذا لا نعامل لغاتنا بنفس الاحترام؟ لماذا يُنظر إلى من يتحدث بالعربية أو الأمازيغية فقط على أنه أقل شأنا ممن يُقحم الفرنسية في كلامه؟ هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة لغوية، بل هي نتيجة مباشرة لما يمكن تسميته بـ “الاستعمار النفسي والفكري” حيث يظل بعض الناس يحملون في أذهانهم فكرة أن اللغة الفرنسية هي لغة النخبة، بينما اللغات المحلية تحيل إلى التخل.
والحقيقة أن هذه العقدة النفسية تُغذيها عوامل عدة، منها النظام التعليمي (خاصة المؤسسات الخصوصية) الذي يضع الفرنسية في مكانة متقدمة على حساب اللغات الوطنية، إضافة إلى الإعلام وبعض الفضاءات الاقتصادية التي تعزز هذه النظرة الدونية للعربية والأمازيغية. فالتحرر من هذا الاستعمار النفسي لا يعني رفض تعلم الفرنسية أو أي لغة أجنبية، بل يعني الاعتزاز بالهوية الثقافية واللغوية.
أن تكون مغربيا أصيلا لا يعني أن ترفض اللغات الأخرى، بل أن تتحدث بلغتك دون خجل، وأن تدرك أن قيمتك لا تُحدد بلغة أجنبية، بل بوعيك ومعرفتك وإخلاصك لهويتك. إن الخروج من هذه العقدة النفسية يتطلب وعيا جماعيا بأهمية احترام اللغات الوطنية، وإدراك أن احترام الذات يبدأ من احترام الهوية.
يجب أن ندرك أن استخدام الفرنسية لا يجعل منا أذكى أو أكثر رُقيا، تماما كما أن الحديث بالعربية أو الأمازيغية لا يجعل منا متخلفين، فالمسألة في جوهرها ليست في اللغة، بل في النظرة إلى الذات. أن تكون مغربيا حُرا يعني أن تتحدث بلغتك دون خجل، وأن تفهم أن القيمة الحقيقية لا تأتي من لغة مستعمر قديم، بل من الوعي والاعتزاز بالأصول.

(°) سيناريست، كاتب، وروائي من أعماله رواية “المرأة البامبارية”

error: