وداع باهت لأيقونة خالدة.. أين كان الفنانون يوم رحلت نعيمة سميح؟

782

محمد رامي

في يوم ماطر، تحت سماء رمادية تتناسب مع ثقل الفقد، شُيعت نعيمة سميح إلى مثواها الأخير. أربعة فنانين فقط حضروا لتوديعها. أربعة فقط! بينما كان من المفترض أن تكون جنازتها محطة لتجمع كل من أثرت فيهم، كل من غنوا معها، كل من تعلموا منها، وكل من استمعوا إلى صوتها الذي كان يلامس الروح قبل الأذن.

نعيمة سميح لم تكن مجرد فنانة، بل كانت جزءًا من ذاكرة شعب، من تاريخ أغنية، من تراث ثقافي مغربي غني ومتنوع. كانت صوتًا حمل في طياته حكايات الحب، آلام الفراق، فرح الانتصار، وحنين الوطن. كانت أيقونة لم تغب عن قلوب المغاربة، حتى عندما غابت عن الساحة الفنية.

لكن، أين كان الجميع يوم رحيلها؟ أين كان أولئك الذين تغنوا بأغانيها، الذين استلهموا منها، الذين وقفوا على نفس المسرح الذي وقفت عليه؟ أين كانوا عندما حانت لحظة الوداع الأخيرة؟ هل كان المطر عذرًا كافيًا لغيابهم؟ أم أننا نعيش في زمن صار الوفاء فيه سلعة نادرة؟

رحيل نعيمة سميح ليس مجرد فقدان لفنانة عظيمة، بل هو خسارة للتراث الثقافي المغربي الذي ساهمت في إغنائه. كانت أغانيها مثل شجرة وارفة الظل، أوراقها كلمات، وأغصانها ألحان، وجذورها تمتد عميقًا في تربة الهوية المغربية. من “جريت وجاريت” إلى “ياك آ جرحي”، ومن “كيف المعاني” إلى “البحارة”، كانت أغانيها مرآة تعكس أحلامنا وآلامنا، فرحنا وحزننا.

لكن، ما يؤلم أكثر من رحيلها هو ذلك الحضور الباهت في تشييعها. ألم تستحق نعيمة سميح جنازة تليق بمكانتها؟ ألم تستحق أن يملأ الفنانون والشعراء والملحنون والموسيقيون الشوارع المؤدية إلى مقبرة بنسليمان؟ ألم تستحق أن تُشيع بكل الحب الذي منحته لنا عبر سنوات من العطاء؟

ربما نعيش في زمن صار فيه الفن مجرد سلعة، وصارت الذاكرة الجماعية قصيرة الأمد. لكن نعيمة سميح كانت أكبر من ذلك بكثير. كانت صوتًا خالدًا، إرثًا لا يُنسى، ورمزًا لفن راقٍ لم يعد له مثيل اليوم.

في النهاية، لن ينسى المغاربة نعيمة سميح، حتى وإن تناساها البعض في لحظة الوداع. ستظل أغانيها تتردد في البيوت، في الأفراح، في الأتراح، وفي كل مكان يحتفظ بجزء من روح المغرب. ستظل حية في قلوبنا، حتى وإن غابت عن أعيننا.

لكن، لنكن صادقين مع أنفسنا: هل كان هذا الوداع الباهت يليق بأيقونة مثلها؟ أم أننا بحاجة إلى وقفة صادقة مع ذواتنا، لنعيد النظر في قيمنا، وفي طريقة تعاملنا مع من يمنحوننا جزءًا من روحهم؟

رحلت نعيمة سميح، لكنها تركت لنا درسًا: الفن الحقيقي لا يموت، حتى وإن غاب أهله يوم وداعه.

error: