مركز روافد، بخنيفرة، يستضيف ندوة حقوقية وطنية حول تحديات ورهانات ثقافة حقوق الإنسان

423
  • أحمد بيضي
استئنافا لنشاطه وتفعيلا لبرنامجه المسطر، نظم “مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام”، بخنيفرة، عشية السبت 22 فبراير2025، ندوة حقوقية حول “ثقافة حقوق الإنسان: التحديات والرهانات”، والتي قام بإدارتها وتيسيرها الفاعل الثقافي، ذ. محمد العمراني، بكفاءته المعهودة، فيما سجلت الفعالية مشاركة نخبة من الفاعلين الحقوقيين، وحضورا متميزا للمهتمين بمجال حقوق الإنسان وبالشأن الثقافي والجمعوي، في ظل اهتمام متزايد بقضايا الحقوق والحريات في المغرب وربوع العالم.
الندوة المنظمة برحاب “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، تأتي في سياق السعي لتعزيز الحوار الجاد حول حقوق الإنسان وثقافة الحقوق، مع التركيز على التحديات والرهانات التي تواجه هذا المجال، دون أن يفوت المسير وضع الحضور في المحاور الأساسية لهذه الندوة الموزعة إلى ثلاث مداخلات رئيسية سعت إلى توضيح المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، وتحليل العقبات التي تواجه تحقيقها، واستكشاف الرهانات المستقبلية لتعزيز فضاء إنساني أكثر انفتاحا، بما يضمن تطوير السياسات الحقوقية ودمجها في الثقافة المجتمعية.
وافتُتحت أشغال الندوة بكلمة لرئيس المركز المنظم، “مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام”، ذ. حميد ركاطة، أكد فيها على أهمية هذا النوع من اللقاءات في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وبينما أثنى على دعم الجهات الراعية للندوة، شدد على ضرورة الانتقال من الممارسة الحقوقية المحدودة إلى ثقافة حقوقية راسخة تساهم في تحقيق وتعزيز الوعي المجتمعي، وما يتطلبه ذلك من تكامل بين الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية، كما حرص على إبراز ما يترجمه المركز من نقاشات ترمي إلى تحصين الفعل الثقافي بشتى روافده.
وفور رفع الستار عن أشغال الندوة، وقف رئيس المكتب التنفيذي ل “الهيئة المغربية لحقوق الإنسان”، ذ. مبارك العثماني، عند راهنية موضوع الندوة وأهميته في ظل التطورات والتحولات التي تشهدها القيم الإنسانية العالمية، مشيرا، برؤاه وتطلعاته الحقوقية، إلى التحديات الخطيرة المرتبطة أساسا بتحول مفهوم “قوة الحق” إلى “حق القوة” في بعض السياقات السياسية والاجتماعية، وما يستوجبه الوضع من وعي جماعي لمواجهة هذه التغيرات وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
أما مداخلة ذ. إسماعيل بلكبير حول “أسئلة الثقافة الحقوقية بالمغرب”، فتناول فيها تحليلًا مستفيضا لمفاهيم حقوق الإنسان والحقوق الثقافية والثقافة الحقوقية، مستعرضا المرجعيات الثلاث التي تؤطر ثقافة حقوق الإنسان في المغرب، ومن ذلك المرجعية الدولية التي تشمل أساسا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي واتفاقيات فيينا، والمرجعية الوطنية المستندة إلى دستور 2011، كما توقف عند دور الحركة الحقوقية، بمختلف مؤسساتها وهيئاتها، في ترسيخ الوعي الحقوقي، وأكد على أن تفعيل هذه المرجعيات يتطلب تجاوز الإشكالات البنيوية، من خلال إصلاح التعليم وتعزيز الإعلام الحقوقي، وتوسيع نطاق المشاركة المدنية.
وبدوره، استعرض ذ. إبراهيم عبدلاوي، من خلال “ثلاث إضاءات لفهم التحديات والرهانات بشأن حقوق الإنسان”، ما يرتبط بالتحديات الكبرى التي تعيق الممارسة الحقوقية، إقليميا ووطنيا وعالميا، مشيرا إلى تأثير الأيديولوجيا السياسية على الحقوق، وتراجع الحريات الجمعوية، وازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الحقوقية، واستهداف الحقوقيين وتغول ما أسماه ب “الترامبية”، وهي إشكالات تُضعف مسار النضال الحقوقي عالميا، فيما شدد على أن الحاجة أصبحت ملحة لتفعيل آليات الحماية القانونية وخلق بيئة تشريعية أكثر توازنا، قادرة على ضمان استدامة الحريات وحقوق الأفراد.
ومن جهته، انطلق ذ. نورالدين عبقادري من “تاريخ وواقع ثقافة حقوق الإنسان”، لتقديم رؤية أدبية وتحليل معمق لقضايا التسامح وحوار الأديان، متناولا دور الموروث الثقافي والاستبداد السياسي في عرقلة تطور الوعي الحقوقي، بالإضافة إلى التفاوت الصارخ بين الخطابات الرسمية والممارسات الفعلية، كما أكد على أن الوعي الحقوقي لا يمكن أن يترسخ دون نشر ثقافة النقد البناء وتعزيز حرية التعبير والتواصل بين الثقافات المختلفة، بما يحقق التكامل بين القيم الإنسانية المشتركة.
وشهدت الندوة تفاعلا متميزا ونقاشا غنيا، حيث حملت مداخلات الحضور عدة تصورات وإشكاليات وأسئلة منها أهمية أندية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية، ودورها في بناء وعي حقوقي مبكر لدى الأجيال الناشئة، وضرورة تكثيف التعاون بين الفاعلين الحقوقيين والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن أهمية تفعيل البرامج التربوية والتثقيفية التي تسهم في تحويل المبادئ الحقوقية إلى ممارسات فعلية في الحياة اليومية.
ذلك قبل تتويج الندوة بتوزيع شهادات تقديرية، تأكيدا على أهمية هذه المبادرات في ترسيخ الوعي الحقوقي، مع تنويه الحضور بما شكله “لقاء روافد” كمحطة مهمة في مسار النقاشات العمومية حول واقع ومفاهيم حقوق الإنسان في المغرب، وما فتحه ذلك من فضاء للرأي القائم في متطلبات تفعيل رهانات بناء مجتمع أكثر إنسانية وعدالة، وقد تم الإجماع على ضرورة استمرار مثل هذه الفعاليات لتعزيز الدينامية الحقوقية، بما يسهم في تحقيق تحول إيجابي على مستوى السياسات العمومية والتشريعات ذات الصلة.
error: