
مهرجان برلين السينمائي الدولي: تكريم النساء وإبراز القضايا الإنسانية في ظل مناخ سياسي متوتر
ركزت الدورة الخامسة والسبعون لمهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله 2024) على الأفلام التي تسلط الضوء على تجارب النساء وقضاياهن، سواء من خلال الموضوعات التي تناولتها الأعمال المشاركة أو عبر الجوائز التي كُرِّمت بها النساء في مجالات الإخراج والتمثيل. تميزت هذه الدورة بجو سياسي واضح، حيث تزامنت مع انتخابات تشريعية ألمانية مهمة، كما شهدت ردود فعل قوية تجاه التطورات السياسية العالمية، خاصة في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتطرف في أوروبا والمواقف المناهضة لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب.
و فاز بالدب الذهبي، الجائزة الأولى للمهرجان، الفيلم النرويجي “دريمز” (Dreams) للمخرج داغ يوهان هاوغيرود، الذي يروي قصة حب بين تلميذة ومعلمتها، ويستكشف تأثير هذا الحب على ثلاثة أجيال من النساء. يُعتبر هذا الفيلم الجزء الأخير من ثلاثية نرويجية ناجحة. أما جائزة أفضل أداء تمثيلي في دور رئيسي، فذهبت إلى الممثلة الأسترالية روز بيرن عن دورها في فيلم “If I Had Legs I’d Kick You” للمخرجة الأمريكية ماري برونستين، الذي يسلط الضوء على تحديات الأمومة والضغوط الاجتماعية التي تواجهها الأمهات. في المقابل، فاز الممثل الأيرلندي أندرو سكوت بجائزة أفضل أداء تمثيلي في دور ثانوي عن دوره في فيلم “Blue Moon” للمخرج ريتشارد لينكليتر.
من بين الجوائز البارزة أيضًا، فاز المخرج الروماني رادو جود بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمه “Kontinental’25”، حيث دعا خلال كلمته إلى مزيد من التضامن في أوروبا في ظل التحديات السياسية الحالية. كما حصل فيلم وثائقي عن عائلة الرهينة ليات بينين أتزيلي، التي اختُطفت على يد حركة حماس في أكتوبر 2023، على جائزة الأفلام الوثائقية.
طغى على المهرجان هذا العام مناخ سياسي متوتر، حيث تزامن مع الانتخابات التشريعية الألمانية التي شهدت صعودًا متوقعًا لحزب اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا”. كما أثارت المواقف المناهضة لترامب جدلاً، خاصة مع تصريحات رئيس لجنة التحكيم تود هاينز والممثلة تيلدا سوينتون، التي شغلت منصب ضيفة شرف. خلال الحفل، ألقى المخرج الروماني رادو جود كلمة عبّر فيها عن أمله في ألا يشهد المستقبل عودة لأفلام الدعاية المتطرفة، مشيرًا إلى فيلم “انتصار الإرادة” للمخرجة الألمانية ليني ريفنشتال، الذي يُعد أحد أشهر أفلام الدعاية النازية.
تضمنت كلمات الفائزين والضيوف رسائل إنسانية وسياسية قوية. على سبيل المثال، المخرجة الكندية التونسية الأصل مريم جعبر، التي قدمت جائزة أفضل فيلم أول، دعت إلى حماية الأطفال بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، ونددت باستخدام الأطفال كـ”أضرار جانبية” في الصراعات السياسية. كما أشارت إلى أهمية التضامن الإنساني في ظل التحديات العالمية الراهنة.
شكلت هذه الدورة اختبارًا لقدرة المديرة الجديدة للمهرجان، تريشا تاتل، على إعادة الزخم إلى “برليناله” بعد تراجع مكانته نسبيًا في السنوات الأخيرة مقارنة بمهرجاني كان والبندقية. نجحت تاتل في جذب نجوم عالميين مثل تيموثي شالاميه، الذي حضر لعرض فيلم “A Complete Unknown” عن حياة المغني بوب ديلان، بالإضافة إلى طاقم فيلم “Mickey 17” للمخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو، مما يعكس جهودها لتوطيد مكانة المهرجان كواحد من أهم الفعاليات السينمائية العالمية.
بشكل عام، مثلت دورة هذا العام مزيجًا قويًا بين الفن والسياسة، حيث سلطت الضوء على قضايا المرأة والتحديات الاجتماعية، مع إبراز المواقف السياسية المناهضة للخطاب المتطرف والدعوة إلى التضامن الإنساني. هذه الدورة قد تشكل نقطة تحول في مسار المهرجان نحو استعادة مكانته المرموقة على الساحة السينمائية الدولية.